الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن المتتبع لحركة الفكر الإسلامي يرى توالي النداءات من الناصحين في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى تكوين منتدى يلتقي فيه ثلة صالحة من علماء الديار الإسلامية، لشد آصرة التآخي بينها، وتقوية وحدتها، وحل مشكلاتها ونوازلها الفقهية على هدي الشريعة الإسلامية وحدها. وما زالت تلك الأمنية تتردد في مخيلتها لكن لم تتجسد بحقيقتها لعزة الظفر بها، إذ تقاصرت دونها همم، وناءت بها أمم، وبما أن أهل الإسلام ينطلقون من قاعدة: حرب اليأس وفتح باب الأمل، فما فتئت الدعوة منها قائمة. حتى وكلها الباري سبحانه وتعالى إلى: همة خادم الحرمين الشريفين عاهل المملكة العربية السعودية فنادى بها بين إخوانه قادة العالم الإسلامي: ملوك: ورؤساء وأمراء. وهم في رحاب المسجد الحرام، وتحت ظلال البيت العتيق: في مؤتمر القمة الثالث عام 1401هـ فالتقت الأفكار وتلاحمت الآراء في مسار التلبية والقبول:
إذا ما راية نصبت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
فأصبحت حقيقة متمثلة للعيان، تباشر مهامها، وتسير في ضوء أهدافها، تحت عنوانها الخالد بإذن ربها:
(مجمع الفقه الإسلامي)
وحقيقته كما هو معلوم: جمعية متعاونة منسجمة غرضها ترقية العلوم، وحل مشكلاتها. يحدوها إلى ذلك: العشق الخالص لغرضها النبيل من غير أن يشوبه شائبة من ربح مادي أو خلافه.
إنه من هذه الغاية (عشق الحقيقة) سيكون هذا المجمع بإذن الله مبعثاً لآمال الأمة، ومهوى لأفئدتها، وأمنة تتقي به لفحات الأحداث. حماية لحمي الشريعة.
إنه جدير بأن يكون المجمع الأم على وجه الأرض في رحاب الإسلام وحملته وبرعاية قادته.
وهذه سنة لكل عمل صالح مبرور يبني على حسن النية ونيل الغاية. والواقع على ذلك شهيد إذا تمثل هذا المجمع سوياً يبث في الأمة طلائع قراراته التي صدرت منه في دورته الثانية المنعقدة بمركزه الرئيسي في مدينة جدة عام 1405 هـ وهي - ولله الحمد - في غاية من الدقة والإحكام، والاعتدال في الرأي والأحكام. على وطاء من البحوث الماتعة، والمناقشات الهادئة الهادفة، على لسان نحو مائة عالم من علماء المسلمين: أعضاء عاملين، وخبراء، وباحثين.
وإن ما بين يدي هذا التقديم من أبحاث، ومناقشات، وقرارات، ومناشدات تمنح التدليل المادي على ثبات هذه النتائج وثبوتها. ولن يغلب عسر يسرين. هذا وإن شرف فتح الباب، والترقي للأخذ بالأسباب لإبراز هذه النشرة الجامعة الماتعة مطبوعة في هذا القالب القشيب من فضل الله تعالى على: العالم الدءوب، - معالي الأمين العام للمجمع الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة - في جهود متواصلة، فإظهارها على هذا المنوال المرضي هو بحق: غرس يمينه. فكفاؤه منا دعوة صالحة. منح الله الجميع التقوى ومن العمل ما يحب ويرضى. كما نسأله سبحانه أن يوفق قادة المسلمين وولاة أمرهم إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين محكمين لشرعه، ذابين عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ... والحمد لله رب العالمين....