الشيخ وهبة الزحلي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أما بعد.
فقد أصابت اللجنة عندما قررت مبدأين في فتواها حول هذا الموضوع، الناحية الأولى هي الفصل بين عقد التوكيل وعقد الإجارة. وذلك بعدا عن الوقوع في المنهي عنه، وهو نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة، ومن خلال هذا النهي كنت أنتظر أن يكمل النهي في الحديث نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا نهى عن بيع وشرط، فالتزام البنك بأن يهب إلى الدولة المستفيدة في نهاية المطاف هذه الآلات، هذا الالتزام هو عقد إيجار أعقبه، أو تضمن أيضا التزاما بشرط الهبة فهو أيضا عقد مقرون بشرط والعقد المقرون بالشرط غير سائر، فكنت أتوقع أن يكون هناك انسجام في الفتوى من حيث المبدأ بين هاتين الناحيتين، هذه ناحية.
أصابت اللجنة أيضا في الناحية الأخرى وهي عدم تحميل المستأجر الضمان، وقررت المبدأ الشرعي المعروف أن المستأجر أمين والأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو بالتقسيط وهذا مطابق تماما لما اتفق عليه الفقهاء.
ومن حيث تأصيل هذه العملية وتفصيلها بعد هذا النقد الجزئي انظر إلى العملية ككل وهي أن هذه العملية تنفصل إلى ثلاثة عقود أقرتها اللجنة ببراعة أقرت عقد الوكالة ولا أحد يعترض على جواز هذا العقد، كذلك عقد الإيجار، كذلك عقد الهبة هذه عقود مشروعة مقررة معروفة في الإسلام لا شك في اعتبارها وفي إقرار مشروعيتها، لكني أجد أن الجمع بين هذه العقود وإقرارها من حيث الظاهر، هذا تأثر ببعض الاتجاهات الفقهية كمذهب الإمام الشافعي إذ يقر ظواهر هذه العقود، وتركت اللجنة ما قاله الإمام الشافعي: "إني أقر ظاهر هذا العقد وأدع القصد المؤثم لله عز وجل" حتى إن الإمام الشافعي الذي ينظر إلى ظواهر هذه العقود فيقرها نظرا لاكتمال أركانها وشروطها واستيفاء كل ما تتطلبه فهو لن ينسى الناحية أو الباعث الذي بعث المتعاقد إلى الوقوع في الحرام فقال: وأدع القصد المؤثم لله عز وجل، يعني أن العقد وإن كان صحيحا في الظاهر فهو حرام يوقع صاحبه في الباطل ويأثم، نحن كما تعلمون لا يصح أن نفصل بين صحة العقد وبين النظرة التحريمية لهذا العقد فالإمام الشافعي بالرغم من أنه يقر ظاهر هذا العقد وكذلك مثله، وهو أيضا مثل الإمام أبي حنيفة يقر ظاهر هذه العقود، والنظرة الظاهرية موجودة عند هذين الإمامين إلا أنهما أيضا لم ينسيا جانب النية والباعث وحرما العقد من حيث الديانة وإن كانا أقرا هذه العقود من حيث الظاهر، وهذا موجود في بيع العينة، هذا شيء فبراعة اللجنة فعلا أقرت ظاهر هذه العقود ولكني أنظر إلى مجموع هذه العقود من ناحية أخرى، أنظر إلى الباعث، وأنظر إلى الهدف والمقصد والغاية والمال الذي ينشده البنك من هذه العملية، أليس البنك قد ضمن الأجرة وهي في العقد الثاني، العقد الأول لا اعتراض لي عليه وكالة، هذا عمل ابتدائي جيد لا أعترض عليه، ثم ضم مع هذا الوكيل عقدا آخر سرنا على رأي اللجنة بانفصال العقدين، أنا أقول: ولو سرنا على هذا الانفصال لكنه من حيث النتيجة عقد انضم مع نفس العاقد الأول، فمن هذه الناحية ألم يقم البنك في الجملة، وهذا يعني الفتوى لم تتعرض له وفيه شيء من التغطية في الأجرة يقرر البنك ما يشاء من أرباح تحت اسم الأجرة، يقولون: الإجارة مشروعية وبالتالي العمل جائز فمن خلال الجمع بين هذه العقود في عملية واحدة لا يخلو طرفاها من اثنين: البنك والجهة المستفيدة، الحقيقة هذه بحسب اطمئناني إلى القواعد الفقهية، هذه كلها جسور للوصول في الباطن إذا ضم المستأجر ما يريده من أرباح من خلال الأجرة، هذا في رأيي أنهم اتخذوا العقود جسورا إلى الوصول إلى الحرام، وكما قرر الفقهاء في بيع العينة أنهم عندما يتخذون بيعين في بيعتين، البيع الأول منجز والثاني مؤجل، اتخذوا البيع وسيلة خدمة بخدمة لكن النتيجة أنهم عندما اشترى نفس البائع الأول نفس المبيع من المشتري بثمن مؤجل أكثر من الثمن المعجل. الحقيقة هو بيع مقترن بالوصول إلى الربا والقرض بفائدة أو بيع مع الربا فالنتيجة تكون الوصول إلى الربا والعقود في الظاهر سليمة ولكنها من حيث الحقيقة والباطن حيل شرعية للوصول إلى الهدف.