(14-1) صيغ عقد التأمين الصحي:
يعد التأمين الصحي من أكثر أنواع التأمين تعقيدًا، لكثرة ما فيه من أصناف الخدمات وصيغ المعاقدات، ولعل مرجع ذلك إلى أنه يتعلق بحدوث مكروه لا يمكن التحقق من حدوثه إلا بصعوبة كبيرة، فالتأمين على الحياة إنما عد أبسط أنواع التأمين، لأن المكروه الذي إذا وقع استحق المستفيد التعويض هو الموت، ولا غرو أن الإنسان لا يكون إلا حيًا أو ميتًا وليس بينهما منطقة متوسطة، أما الصحة فهي أمر مختلف، فقد يشكو الإنسان من الآلام وخمول النشاط وقد ينتابه شعور بالاعتلال وإحساس بالألم في بعض أعضاء جسمه يحتاج معه إلى رعاية صحية، مع أن الأطباء لا يجدون فيه علة، فهل يستحق التعويض المنصوص في وثيقة التأمين لشعوره بالمرض، أم لا يستحقه لحكم الأطباء عليه بانعدام المرض؟ ولذلك جاءت صيغ التعاقد في التأمين الصحي كثيرة متنوعة يصعب الإحاطة بكل تفاصيلها في مثل هذا البحث، ولكنها تنقسم بصفة أساسية إلى نوعين يستقلان أحيانًا ويجتمعان أحيانًا أخرى.
الأول: عقد رعاية صحية وفيه، يدفع المشترك مبلغًا من المال مقابل أن يحصل خلال مدة العقد –وهي سنة- على الرعاية الصحية المتمثلة في الكشف على صحته لدى مستشفيات محددة وإجراء التحاليل الطبية ووصف الدواء والإقامة في المستشفى وإجراء العمليات الجراحية عند الحاجة أو العلاج الطبيعي، وربما تضمن صرف الدواء والمستلزمات الطبية أيضًا.
ولأن غرض هذا العقد هو الرعاية الصحية وليس العلاج من الأمراض فقط، تجده يشمل الرعاية الصحية للحمل والولادة للنساء ورعاية المواليد، وقد يشمل الطب النفسي.
وتختلف درجاته فقد يكون شاملًا لكل ما ذكر وقد يستثنى منه الدواء أو التطعيمات الوقائية أو الأسنان أو النظارات الطبية أو جراحة التجميل وما إلى ذلك، ويكون له في الغالب حدود قصوى من ناحية المبلغ تزيد وتقل بحسب نوعية التغطية؛ فيقال: بطاقة ذهبية وأخرى فضية. . . وهكذا، وقد يكون للتغطية سقف واحد فيقال: بحيث لا يزيد ما تتحمله شركة التأمين في كل شيء عن مليون ريال، وربما كان لكل نوع من الخدمة سقف مستقل يمثل الحد الأعلى لتلك الخدمة، فيقال: لا يزيد ما يصرف للدواء عن مبلغ كذا، والعمليات الجراحية عن مبلغ كذا. . . إلخ، وكل ذلك مؤثر في تحديد الرسوم.
ويقدم هذا النوع من التأمين شركات التأمين كما تقدمه أيضًا المستشفيات والعيادات الطبية مجتمعة أو مستقلة، فنقوم بتوقيع العقود مع الشركات لتقديم الرعاية الصحية للعاملين فيها ونحو ذلك.
والثاني: وهو نوع آخر من التأمين الصحي، ولكنه يندرج تحت صيغ التأمين على الحياة، للشبه الكبير بينهما إذ إن التعويض فيه مرتبط بواقعة حدوث المرض وليس مرتبطًا مباشرة بالعلاج والبرء من ذلك المرض، ولذلك كان تحديد وتعريف الأمراض مهمًا في هذا النوع من العقود.
يستحق المستأمن التعويض في هذا النوع من التأمين بمجرد حدوث المكروه، ويكون التعويض في العادة مبلغًا محددًا من النقود، فهو في الواقع ليس متصلًا بصفة مباشرة بالعلاج، وإنما يقوم على دفع مبلغ المال المتفق عليه للمستأمن إذا أصيب بمرض ليقوم هو باستخدامه للعلاج إن شاء (وربما اشترط في بعض العقود دفعه لجهة العلاج) ، وقد يقتصر التأمين على مرض معين، مثل التأمين ضد الإصابة بمرض الإيدز أو السرطان، وقد يتضمن مجموعة من الأمراض المزمنة أو عسيرة العلاج أو المقعدة عن الكسب والعمل، ولا يتضمن الأمراض الخفيفة أو التي يكون علاجها يسيرًا، ويكون التعويض مبلغًا محددًا كما أسلفنا، وربما كان راتبًا يوميًا يدفع إليه أثناء إقامته في المستشفى أو مدة عجزه عن ممارسة العمل، وقد يتضمن راتبًا دائمًا في حالة العجز الدائم، وليس هذا الصنف من التأمين الصحي هو موضوع ورقتنا هذه، وليس هذا هو المقصود عندما يتحدث الناس عن التأمين الصحي والبطاقة الصحية في هذه المنطقة من العالم، ولذلك لن نلقي له بالًا في هذا البحث.