وفي غير المنافع ترددوا في وقف الطعام، فأجازته المدونة كوقف الحنطة للسلف، لأن إقامتها تطول كما يمكن رد بدلها فيكون هذا بمثابة دوام العين، وقال ابن الحاجب وابن شاس بعدم الجواز، لأن منفعة الطعام في استهلاكه والوقف إنما ينتفع به مع بقاء عينه، وكره وقفها ابن رشد.

وفي كل الأحوال فإن القول بعدم الجواز ضعيف عند المالكية، ولهذا اعترضوا على خليل في ذكره لعبارة التردد في قوله: (وفي وقف كطعام تردد) (?) ،

وفي وقف النقود تشير أيضاً بعض مصادر الفقه المالكي إلى التردد الذي حدث في وقف الطعام مع تضعيفها للقول بالمنع، وتعضيدها للقول بالصحة بأن خليل نفسه قال في باب الزكاة: (وزكيت عين وقفت للسلف) (?) ، بل إن بعضها نبه إلى أن وقف النقود لا تردد فيه، وإنما التردد في الطعام، أما الدنانير والدراهم فيجوز وقفهما للسلف قطعاً (?) ، وهذا ما صرح به أيضاً ابن تيمية حيث قرر أن مذهب مالك وقف الأثمان للقرض (?) .

وفي المذهب الحنفي ما يشير إلى جواز وقف النقود إذا جرى العرف بذلك حيث يقول ابن عابدين: (وقف الدراهم والدنانير متعارف في الديار الرومية فيصبح فيها دون سواها) (?) .

وأصرح من ذلك فتوى محمد بن عبد الله الأنصاري من أصحاب زفر رحمه الله الذي قال بجواز وقف النقود، وقد تقدم ذكر الفتوى، وعند الحنابلة رواية بجواز وقف النقود، ذكر ذلك ابن تيمية في فتاويه (?) ، وأشار إليها أيضاً ابن قدامة في المغني حيث قال: (وقيل في الدراهم والدنانير يصح وقفها على قول من أجاز إجارتها، ولا يصح لأن تلك المنفعة ليست المقصود الذي خلقت له الأثمان، ولهذا لا تضمن في الغصب فلم يجر الوقف له) (?) ، وعند الشافعية أيضاً قول بجواز وقف النقود، جاء في (المجموع شرح المهذب) : (وقد اختلف أصحابنا في الدراهم والدنانير فمن قال بجواز أن تكون لها ثمرة دائمة كالإجارة أجاز وقفها، ومن قال بعدم جوز الإجارة قال بعدم جواز وقفها) (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015