ومقتضى تعريف الصاحبين هذا لزوم الوقف وعدم جواز الرجوع فيه للواقف، وعدم جواز التصرف فيه بأي تصرف ناقل للملكية، وعدم أيلولته ميراثاً لورثته إذا مات، لأن الوقف قد خرج عن ملكه وغدا على حكم ملك الله تعالى، ولهذا لا يتأتى له التصرف فيه أو الرجوع عنه، أما المنفعة فهي محل التصدق سواء كان التصدق بها في الحال لجهة من جهات البر الدائمة كالفقراء مثلاً، أو في المال بأن يتصدق بها ابتداءً على ذريته ومن بعدها على جهة البر الدائمة (?) .

ويوافق الصاحبين في هذا التعريف-من حيث لزوم الوقف وكونه على حكم ملك الله تعالى- الإمامان الشافعي وأحمد في أحد قولين لهما وهو الأصح (?) حيث يعرفه صاحب (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج) بأنه: (حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود) (?) .

ويؤكد ذلك في موضع آخر فيقول: (الأظهر أن الملك في رقبة الموقوف ينتقل إلى الله تعالى) (?) كما يعرفه صاحب (الإقناع) في فقه الإمام أحمد بن حنبل بأنه: (تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف وغيره في رقبته يصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً إلى الله تعالى) (?) .

يقول ابن قدامة في (المغنى) : (إن الوقف إذا صح زال به ملك الواقف عنه في الصحيح من المذهب) (?) ، والقول الثاني للإمامين الشافعي وأحمد أن العين تدخل في ملك الموقوف عليهم إلا أن هذا الملك لا يبيح لهم التصرف فيها بأي تصرف ناقل للملكية، كما أنها لا تورث عنهم إذا ماتوا، فملكهم لها ملك غير تام أو ملك صوري (?) ، وفي هذا يقول صاحب المغني: (وينتقل الملك في الموقوف إلى الموقوف عليهم في ظاهر المذهب) (?) .

أما المالكية فيعرفون الوقف بأنه: (جعل منفعة مملوك ولو بأجرة أو غلته لمستحق بصيغة مدة ما يراه المحبس) (?) .

ومن تعريفهم هذا يتضح أن الوقف عندهم لازم كما أنه يكون في العقار الذي له غلة، وفي المنافع كالأجرة، وأنه يمكن أن يكون مؤقتاً، وأن ملكية العين تكون للواقف ولكنه يمنع من التصرف فيها بأي تصرف ناقل للملكية، ولا يجوز الرجوع في وقفه؛ لأنه ملزم بالتصدق بالمنفعة كل مدة الوقف مؤبدة أو مؤقتة (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015