المبحث الأول
أحكام بيع الدين
3- لقد ذهب ابن حزم الظاهري إلى عدم جواز بيع الدين مطلقًا في جميع صوره وحالاته (?) ، خلافًا لجمهور الفقهاء الذين أجازوا بعض صوره، وحظروا بعضها الآخر، ولهم في أحكامه تفصيلات وتقييدات، وخلاف وتعدد مقولات، وقد فرقوا فيها بين ما إذا كان البيع من المدين نفسه أو من غيره، وبين ما إذا كان الدين حالاً أو مؤجلاً، وبين ما إذا كان الثمن حالاً أو مؤجلاً. وبيان مذاهبهم منحصر في الصور الثمان التالية:
الصورة الأولى – بيع الدين المؤجل للمدين بثمن مؤجل:
4- لقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة في المذهب إلى عدم جواز بيع الدين المؤجل من المدين بثمن مؤجل، لأنه من بيع الكالئ بالكالئ (أي الدين المؤخر بالدين المؤخر) ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم (?) عنه، ووقع الإجماع على فساده.
جاء في (المبدع) : " ولا يجوز بيع الكالئ بالكالئ: وهو بيع ما في الذمة بثمن مؤجل لمن هو عليه " (?) .
وجاء في (تكملة المجموع) للسبكي: "تفسير بيع الدين بالدين المجمع على منعه: وهو أن يكون للرجل على الرجل دين، فيجعله عليه في دين آخر مخالف له في الصفة أو القدر، فهذا هو الذي وقع الإجماع على امتناعه " (?) .
وجاء في (منحة الخالق) لابن عابدين نقلاً عن جواهر الفتاوى: " رجل له على آخر حنطة غير السلم، فباعها منه بثمن معلوم إلى شهر لا يجوز، لأن هذا بيع الكالئ بالكالئ، وقد نهينا عنه " (?) .
5- وذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى جوازه (?) ، واحتجوا على ذلك:
أ- بأن لكل واحد منهما فيه غرضًا صحيحًا ومنفعة مطلوبة، إذ تبرأ ذمة المدين عن دينه الأول، وتنشغل بدين آخر، قد يكون وفاؤه أسهل عليه وأنفع للدائن، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يكون جائزًا شرعًا، لأن التعامل إنما شرع لجلب منافع الناس وتحصيل مصالحهم.