الاحتمال الثاني: بيع المسلم فيه لشخص آخر قبل القبض:
لقد ثار خلاف كبير في بيع المبيع قبل القبض يمكن إرجاعه إلى ثلاثة اتجاهات وهي:
الاتجاه الأول: يرى عدم جواز بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا سواء كان المعقود عليه طعامًا أم غيره وسواء أكان مكيلاً أم موزونًا، عقارًا أو منقولاً.
وهذا مذهب الشافعي وأكثر أصحابه (?) وأحمد في رواية (?) ومحمد بن عبد الحق وزفر من الحنفية (?) ، والظاهرية (?) ، والزيدية (?) ، ورواية للإمامية (?) ، والإباضية في المشهور عنهم (?) ، وروي ذلك عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب في رواية عنه، وسفيان الثوري (?) .
الاتجاه الثاني: يرى جواز بيع المبيع، وكل تصرف فيه مطلقًا، وهذا رأي عطاء بن أبي رباح، وعثمان البتي (?) ، ورأي للإمامية (?) .
الاتجاه الثالث: يرى التوسط والتفصيل، وأصحاب هذا الاتجاه مختلفون على خمسة آراء حيث ذهب أكثرهم إلى عدم جواز بيع الطعام قبل قبضه، وإلى جواز ما عداه، وهذا رأي مالك في المشهور عنه (?) وأحمد في رواية عنه (?) واختيار أبي ثور وابن المنذر (?) وإليه أشار البخاري في صحيحه (?) .
وهذا الرأي هو الذي يدعمه الدليل (?) ، وقد قال الحافظ ابن المنذر: " هو أصح المذاهب. . . " (?) .
هذا هو الخلاف في بيع الشيء قبل قبضه بصورة عامة، وهل هذا الخلاف يجري في بيع المسلم فيه قبل قبضه؟
إنه من الثابت في كتب المالكية والحنابلة أن مذهب مالك على جوازه فيما عدا الطعام (?) ، وكذلك نص عليه أحمد (?) ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فمذهب مالك أنه يجوز بيعه من غير المستسلف، كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه، وهذا أيضًا إحدى الروايتين عن أحمد، نص عليه في مواضع بيع الدين من غير من هو عليه، كما نص على بيع دين السلم ممن هو عليه، وكلاهما منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة من أجوبته. . . وهذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد (?) ثم قال: " والمقصود أن أصل أحمد ومالك جواز التصرف، وأنه يوسع في البيع قبل انتقال الضمان إلى المشتري، بخلاف أبي حنيفة والشافعي، والرواية الأخرى عن أحمد " (?) .
وأصل الخلاف يعود إلى مسألة الضمان هل هو من ضمان البائع، أم من ضمان المشتري، وهل ذلك الضمان يمنع المشتري من التصرف فيه؟
فمالك وأحمد في المشهور عنه ومن معهم قالوا: إن ما تمكن المشتري من قبضه فهو من ضمانه، وأن المشتري يستطيع أن يتصرف في المبيع قبل التمكن من قبضه، لأن ضمان البائع له لا يمنع تصرف المشتري الذي انتقلت إليه ملكية المبيع والمسلم فيه بمجرد العقد، قال ابن تيمية: "فظاهر مذهب أحمد أن جواز التصرف فيه ليس ملازمًا للضمان ولا مبنيًّا عليه، بل قد يجوز التصرف فيه حيث يكون من ضمان البائع كما ذكر في الثمرة، وصنائع الإجارة، وبالعكس كما في الصبرة المعينة" (?) .