وقد علم الله الإنسان ما لم يكن يعلم، وأمره بالبحث والنظر والتفكير والتدبر مخاطبًا إياه في آيات عديدة: {أَفَلَا يَرَوْنَ} ؟ ، {أَفَلَا يَنْظُرُونَ} ، {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} ، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ...
والإسلام لا يضع حجرًا ولا قيدًا على حرية البحث العلمي، إذ هو من باب استكناه سنة الله في خلقه. ولكن الإسلام يقضي كذلك بأن لا يترك الباب مفتوحًا بدون ضوابط أمام دخول تطبيقات نتائج البحث العلمي إلى الساحة العامة بغير أن تمر على مصفاة الشريعة، لتمرر المباح وتحجز الحرام، فلا يسمح بتنفيذ شيء لمجرد أنه قابل للتنفيذ، بل لا بد أن يكون علمًا نافعًا جالبًا لمصالح العباد ودارئًا لمفاسدهم.
ولا بد أن يحافظ هذا العلم على كرامة الإنسان ومكانته والغاية التي خلقه الله من أجلها، فلا يتخذ حقلًا للتجريب، ولا يعتدي على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه، ولا يؤدي إلى خلخلة الهيكل الاجتماعي المستقر، أو يعصف بأسس القرابات والأنساب وصلات الأرحام والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني في ظلال شرع الله وعلى أساس وطيد من أحكامه.
وقد كان مما استجد للناس من علم في هذا العصر، ما ضجت به وسائل الإعلام في العالم كله باسم الاستنساخ. وكان لا بد من بيان حكم الشرع فيه، بعد عرض تفاصيله من قِبَل نخبة من خبراء المسلمين وعلمائهم في هذا المجال.
تعريف الاستنساخ:
من المعلوم أن سنة الله في الخلق أن ينشأ المخلوق البشري من اجتماع نطفتين اثنتين تشتمل نواة كل منهما على عدد من الصبغيات (الكروموزومات) يبلغ نصف عدد الصبغيات التي في الخلايا الجسدية للإنسان، فإذا اتحدت نطفة الأب (الزوج) التي تسمى الحيوان المنوي بنطفة الأم (الزوجة) التي تسمى البييضة، تحولتا معًا إلى نطفة أمشاج أو لقيحة، تشتمل على حقيبة وراثية كاملة، وتمتلك طاقة التكاثر. فإذا انغرست في رحم الأم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقًا مكتملًا بإذن الله، وهي في مسيرتها تلك تتضاعف فتصير خليتين متماثلتين فأربعًا فثمانيًا، ثم تواصل تضاعفها حتى تبلغ مرحلة تبدأ عندها بالتمايز والتخصص.
فإذا انشطرت إحدى اللقيحة في مرحلة ما قبل التمايز إلى شطرين متماثلين تولد منهما توأمان متماثلان. وقد أمكن في الحيوان إجراء فصل اصطناعي لأمثال هذه اللقائح، فتولدت منها توائم متماثلة، ولم يبلغ بعد عن مثل ذلك في الإنسان، وقد عُدَّ ذلك نوعًا من الاستنساخ أو التنسيل، لأنه يولد نسخًا أو نسائل متماثلة، وأطلق عليه اسم الاستنساخ بالتشطير.