وإذا جئنا إلى ما قاله العلماء المعاصرون نجدهم في ذلك مختلفين إلى ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: اتجاه من أباح أكل هذه اللحوم على علاتها نظرا إلى ما يوجد في تلك الأقطار التي تستورد منها من الكنائس التي هي رمز التدين عندهم وما فيها من الرهبان والقسيسين وسائر طبقات رجال الدين الذين ترجع إليهم قضايا الدين في تلك الشعوب مع الاستناد إلى عموم قول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، وممن نحا هذا المنحى الإمام محمد عبده في الفتوى الترنسفاليه التي أحدثت ضجة كبرى في مصر وغيرها، وتابعه على ذلك تلميذه العلامة السيد محمد رشيد رضا في تفسير المنار وفي فتاواه، ووافقهما جماعة من أهل العلم منهم: العلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، والشيخ الإمام إبراهيم بن عمر بيوض في بعض فتاواه، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن عمر بكلي (?) ، وبه كان يفتي شيخنا إبراهيم بن سعيد العبري، وبه أخذ الدكتور يوسف القرضاوي (?) , واستأنس جماعة من هؤلاء بقول ابن العربي: "ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها هل يؤكل معه أو تؤخذ طعامًا منه؟ فقلت: تؤكل؟ لأنها طعامه وطعام أحباره، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا، ولكن الله تعالى أباح طعامهم مطلقا، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا إلا ما كذبهم الله سبحانه فيه، ولقد قال علماؤنا أنهم يعطوننا أولادهم ونساءهم ملكًا في الصلح، فيحل لنا وطؤهن، فكيف لا تحل ذبائحهن، والأكل دون الوطء في الحل والحرمة" (?)