وأرى أن المتشددين في هذه المسألة نظروا إلى أن قطع جميع الرأس يفضي قطعا إلى قطع النخاع، وهو يؤدي إلى الإسراع في الموت فيكون موت الدابة بعامل آخر غير تذكيتها، والخلاف واقع بين أهل العلم في نفس قطع النخاع هل يؤدي إلى حرمة المذبوح أو لا إن تعمده؛ فمالك كره ذلك إذا تمادى في القطع ولم ينو قطع النخاع من أول الأمر، قال ابن رشد: "لأنه نوى ذلك فكأنه نوى التذكية على غير الصفة الجائزة ". (?) ومفهومه أنه إن نواه تجاوز حكم الكراهة إلى ما هو أشد منها، وقال مطرف وابن ماجشون: "لا تؤكل إن قطعها متعمدا دون جهل، وتؤكل إن قطعها ساهيا أو جاهلًا ". (?) وفي الكنز وشرحه البحر من كتب الحنفية كراهة ذلك (?) وهكذا في المجموع، ونقل عن ابن المنذر أنه حكي عن ابن عمر عدم جواز أكلها، وبه قال نافع، وكرهه إسحاق، قال: وكرهت طائفة الفعل وأباحت الأكل، وبه قال النخعي والزهري والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وأبو ثور، قال ابن المنذر: بقول هؤلاء أقول، قال: ولا حجة لمن منع أكله بعد الذكاة. (?) وأرى أن حجتهم ما ذكرته في قطع جميع الرأس، ثم وجدته منصوصا عليه في شرح النيل (?) على أنه جاء في المسند الصحيح للإمام الربيع بن حبيب عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد قال: "سمعت ناسا من الصحابة يروون عن النبي ((أنه نهى في الذبائح عن أربعة أوجه: الخزل والوغز والنخع والترداد)) ، وفسر الربيع النخع بكسر الرقبة، وذكر شارحه الإمام السالمي (?) أن غير الربيع فسره أنه المجاوزة بالسكين منتهى الذبح إلى النخاع، وهو خيط أبيض داخل عظم الرقبة يمتد إلى الصلب يكون في جوف الفقار (?) ومن المعلوم أن الأصوليين مختلفون في النهي هل هو يدل على فساد المنهي عنه أو لا؟ فلا يستبعد أن يكون ذلك منشأ الخلاف المذكور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015