وكذلك يدخل فيها المستثنيات من العموميات، كما في قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] فإن الله تعالى حرم أخذ شيء من المهر المستحق للمرأة إلا في حال الخوف من التقصير في حقوق الله تعالى، فيكون الأخذ في هذه الحال عزيمة.
وأما الرخصة: فهي في اللغة العربية: التيسير والتسهيل، قال الجوهري في الصحاح: الرخصة في الأمر: خلاف التشديد فيه، ومن ذلك: رخص السعر: إذا سهل وتيسر، وأرخصه الله فهو رخيص، وأما الرخصة – بفتح الخاء -: فهو الشخص الآخذ بالرخصة، كما قال الآمدي. والرخصة عند الأصوليين: هي الأحكام التي شرعها الله تعالى بناء على أعذار (?) العباد، رعاية لحاجاتهم، مع بقاء السبب الموجب للحكم الأصلي (?) .
وعرفها الشاطبي بقوله: هي ما شرع لعذر شاق، استثناء من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه (?) .
وذكر الشافعية تعريفها بقولهم: هي الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر (?) . وقيد: "على خلاف الدليل " احتراز عما أباحه الله تعالى من الأكل والشرب وغيرهما، فلا يسمى رخصة؛ لأنه لم يثبت على المنع منه دليل. والعذر: هو المشقة والحاجة.
وأمثلتها: التلفظ بالكفر عند الإكراه، والأكل من الميتة عند الضرورة، فالعذر في الأول: هو الإكراه، وفي الثاني: هو ضرورة حفظ النفس، مع بقاء سبب الحكم الأصلي، وهو في الأول: وجود أدلة وجوب الإيمان وحرمة الكفر، وفي الثاني: هو ضرر الميتة. أما إذا لم يبق السبب الموجب للحكم الأصلي، كحل ترك المسلم الثبات لعشرة من الكفاربعد أن كان ممنوعا، فلا يسمى رخصة؛ لأن الحكم الأصلي: وهو وجوب الثبات للعشرة قد زال سببه، وهو قلة المسلمين، وحين أبيح لهم ترك هذا الثبات، وألزموا بالثبات أمام اثنين فقط، لم يكونوا قلة، وإنما كانوا كثرة.