أما الحداثة: إذا كان المراد منها المدنية الحديثة وما نجم عنها من أنظمة الحياة الإنسانية من مبادئ فاسدة منحرفة، جرت على العالم كثيرًا من العواقب الوخيمة وويلات الثبور والدمار، وسوف تتجرع الإنسانية غصص شرورها ومآسيها وتعاني منها الكثير من الآثار السيئة، والنتائج البشعة ما دامت تسير في ركابها وتتبع خطواتها.

فإن مثل هذه الحداثة والحياة العصرية المنحرفة يرفضها الإسلام، ويدعو إلى قيام المدينة الفاضلة التي تنبثق من أسسه وقواعده، وقد أقام للإنسانية أعظم مدينة عرفها التاريخ.

ونحن المسلمين لا نعيش بمعزل عن هذا العالم، لأننا جزء منه، وقد تأثر نفر من أبناء الشرق بمظاهر تلك المدينة المنهارة، ووقع في أسرها، وأصبح من عبيدها، فلم يعد الشعور بفساد مبادئها وسوء عاقبتها كافيًا لأن تكون بمنجاة منها، وصار من الضروري أن نعمل جاهدين للتخلص من نظام هذه المدينة وتحرير أنفسنا من ربقة قادتها من الغربيين وأتباعهم، وإلا واجهنا المصير السيئ بالسقوط في الهوة المرتقبة التي ينحدر إليها العالم كله يوما بعد آخر، وسيلقى حتفه فيها إن عاجلًا أو آجلًا.

فالحياة الإجتماعية الحاضرة تقوم على مبادئ الزيغ والضلال والنظريات الخاطئة , والأفكار الهدامة هي التي تسود انحاء العالم.

وأنظمة التعليم ووسائل التوجيه والإعلام تنضح بالشر، وتثير الغرائز، وتهتك الفضيلة وتقتل الأخلاق، وتدعو إلى الإباحية والتحلل، حيث سيطرت على العقول الآداب الماجنة والصحافة الفاجرة، والإذاعات اللاهية والأفلام الخليعة.

والنظام الاقتصادي الذي يتحكم في معيشة الناس نظام منحرف فاسد لا يعرف الخير من الشر، ولا يميز بين الحلال والحرام.

والسلطة القانونية التي توجه المدينة وتسخر إمكانياتها تستوحي تصوراتها للأخلاق والتمدن من المبادئ المادية البحتة.

ولهذا يتحتم على المسلمين مقاومة هذه النظم بعزم حديدي لا يعرف الوهن حتى يستبدلوا بها شرعة الله لإنقاذ العالم كله أولًا , من تلك العواقب الوخيمة، وإنقاذ أنفسنا بالتالي منها، وهذا أمر يحتاج إلى جهاد مرير متواصل للقضاء على أنظمة الحياة الفاسدة، وإقامة قواعد الحياة الإنسانية بشتى نظمها على شرع الله الذي نؤمن بصلاحه، ونثق في قدرته على إسعادنا وتوفير الرفاه والسلام لنا، ونعتقد أنه الوسيلة الوحيدة لنجاة الإنسانية كلها وخلاصها.

والمدنية الحديثة التي يقوم في ظلها نظام الحياة الحالي بمختلف فروعه العقائدية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية والثقافية ترتكز على دعائم ثلاث هي المبادئ الرئيسية الآتية:

1- العلمانية أو اللادينية (Sacularism) .

2- القومية (Nationalism) .

3- الديمقراطية (عز وجلemocracy) .

وهذه المبادئ الثلاثة خاطئة فاسدة، وهي منبع الشرور والمصائب والمآسي التي تعاني الإنسانية من جرائها اليوم ما تعانيه.

أما كيف ننتقد هذه المبادئ؟ وما المنهج الذي نسلكه في نقدها فهذا يحتاج إلى بحث مستفيض، لا يتسع المقام للخوض فيه, راجع مزيدًا في التفصيل ـ في كتاب ـ الإسلام والمدنية الحديثة أبو الأعلى المودودي، ص 27 وما بعدها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015