(ج) روايات وشبهات حول القراءات:
كما أورد المستشرقون بعض الشبهات حول القراءات، وقد استندت هذه الشبهات إلى روايات ضعيفة، وخلاصة هذه الشبهات: أن ما فعله عثمان بمصاحف الصحابة لم ينه مشكلة الاختلاف حول النص القرآني، لأن القرآن نزل على سبعة أحرف، وأن نص القرآن بحرفه ليس مهمًّا، وإنما المهم هو روحه وأن القراءة التي تقوم على الترداف المحض أمر لا بأس به (?) , فقد صور المستشرقون (قضية القراءات) على أنها اختيار محض، وتصرف غير مسؤول في ألفاظ القرآن ومعناه. وأثاروا من خلال هذا التصور شكوكًا حول النص القرآني المسجل في صحة معناه، وسلامة ألفاظه من التحريف والتبديل.
واعتمدوا في مزاعمهم هذه على روايات تصيدوها من هنا وهناك، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابًا، أو عذابًا مغفرة)) . وقوله صلى الله عليه وسلم ((اقرءوا ولا حرج ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعد عذاب، ولا ذكر عذاب برحمة)) (?) , كما رووا عن أبي شامة قوله: أنزل القرآن أولًا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح للعرب الآخرين أن يقرأوه بلغاتهم على اختلافهم في الألفاظ والإعراب (?) .
ولو ذهبت أستقصي شبهات المستشرقين حول القرآن الكريم لما وسعتني مئات الصفحات لأن القرآن الكريم كتاب مقلق للغربيين، ومحيّر لهم ومبلبل لأفكارهم.
يقول (بلاشير) : (قلما وجدنا الكتب الدينية الشرقية كتابًا بلبل بقراءته دأبنا الفكري أكثر من القرآن) (?) .
ولكن الأمر في الواقع ليس مجرد قلق أو حيرة أو بلبلة فكرية، وإنما الأمر أبعد من ذلك بكثير، إنه الشعور بخطورة هذا الكتاب. وقد كان للاستشراق دوره في التحذير من خطورة القرآن على العالم الغربي، فقد تكفل بالكشف عن أخطار القرآن طائفة من المستشرقين الذين أخضعوا بحوثهم العلمية للأهواء الشخصية أو الأهداف السياسية والدينية فأعماهم ذلك عن الحق وأضلهم عن سواء السبيل.