(ب) روايات وشبهات حول جمع القرآن:

وإذا انتقلنا من التدوين في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، طالعتنا روايات عدة في قضية من قضايا التسجيل في عهده تشير إلى أن زيدًا رضي الله عنه افتقد بعض آيات القرآن.. ومن تلك الروايات المنسوبة إلى زيد رضي الله عنه قوله: (دعاني أبو بكر رضي الله عنه أن أجمع القرآن.. فجعلت أتتبع القرآن ففقدت آية كنت أسمعها من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم أجدها عند أحد فوجدتها عند رجل من الأنصار وهي قوله تعالى: {مِنَ المُؤمِنينَ رِجَالُُ صَدَقُوا مَا عَهَدُوُا اللهَ عَلَيهِ ... } (?) فألحقتها في سورتها (?) . وجاء في رواية أخرى طويلة، يقول فيها زيد: فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري (?) لم أجدها مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر) (?) .

وقد يقع قارئ هذا النص في إشكال منشؤه تصريح زيد بأنه لم يجد آخر سورة التوبة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري، ويزول هذا الإشكال سريعًا إذا علم القارئ أن غرض زيد أنه لم يجدها مكتوبة إلا مع أبي خزيمة (?) .

وقد كان ذلك كافيًا لقبوله إياها، لأن كثيرًا من الصحابة كانوا يحفظونها، ولأن زيدًا نفسه كان يحفظها: ولكنه أراد ـ ورعًا منه واحتياطًا ـ أن يشفع الحفظ بالكتابة، وظل ناهجًا هذا المنهج في سائر القرآن الذي تتبعه في عهد أبي بكر: فكان لابد لقبول آية أو آيات من شاهدين، هما الحفظ والكتابة (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015