3- عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير، جاءه ناس منهم، فقالوا: يا نبي الله، إنك أمرت بإخراجنا، ولنا على الناس ديون لم تحلّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ضعوا وتعجلوا)) . رواه الطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك 2/52 وقال: صحيح الإسناد وانظر سنن الدارقطني 3/246، ومجمع الزوائد للهيثمي 4/130، والمطالب العالية لابن حجر 1/411، وإغاثة اللهفان لابن القيم 3/12.
يبدو أن ديون بني النضير على الغير كانت ديونًا مؤجلة، قد زيد فيها للتأجيل، فعليهم إما أن ينتظروا الأجل فيحصلوا على ديونهم كاملة، أي بـ " قيمتها الاسمية " أو أن يتعجلوا هذه الديون ويحصلوا على " قيمتها الحالية "، بعد وضع جزء منها بمقدار الحطيطة المساوية لما كان قد زيد في الدين لأجل تأجيله.
وضَعْ (= حط) وتَعَجَّلْ هو نظير زِدْ وَتَأَجَّلْ، فكلاهما نقصان أو زيادة في مقابل الزمن ولا أرى أن ابن القيم قد افلح في التفرقة بينهما (إغاثة اللهفان 3/12) .
والوضع للتعجيل كالرفع للتأجيل، كلاهما موضع خلاف بين الفقهاء لكن في حين أن الثاني قد أجازه جمهور الفقهاء، يبدو أن الأول قد منعه جمهور الفقهاء، ولم يجزه إلا بعض الفقهاء، منهم ابن عباس وزيد بن ثابت من الصحابة، وزفر من فقهاء الأمصار، وإبراهيم النخعي، وطاوس، والزهري، وأبو ثور وعن الإمام أحمد فيه روايتان، اختار رواية الجواز شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وفيه قول عن الشافعي (انظر مصنف ابن أبي شيبة 7/28 – 29، وأحكام القرآن للجصاصى 1/467، والمبسوط للسرخسي 13/126، وبداية المجتهد 2/108، والاختيارات الفقهية لابن تيمية ص 134، وإغاثة اللهفان لابن القيم 2/11، وأعلام الموقعين له أيضا 3/371، وقارن " بحوث في الربا " لأبو زهرة 59- 60) .
وأجازه ابن عابدين في العقود الدرية 1/278، وفي الحاشية 5/160 و 7 /757 حيث قال:
" قوله: قضى المديون الدين المؤجل قبل الحلول، أو مات فحل بموته، فأخذ من تركته، لا يأخذ من المرابحة (أي زيادة الربح في مقابل الأجل) التي جرت بينهما إلا بقدر ما مضى من الأيام، وهو جواب المتأخرين، أفاد أن الدين إذا كان مؤجلًا، فقضاه المديون قبل حلول الأجل، يجبر الدائن على القبول كما في الخانية قوله: لا يأخذ من المرابحة. . . إلخ صورته: اشترى شيئا بعشرة نقدًا، وباعه لآخر بعشرين إلى أجل، هو عشرة أشهر، فإذا قضاه بعد تمام خمسة، أو مات بعدها، يأخذ خمسة ويترك خمسة ".
أقول: والظاهر أن مثله ما لو أقرضه وباعه سلعة بثمن معلوم، وأجل ذلك، فيحسب له من ثمن السلعة بقدر ما مضى فقط، تأمل.