الدكتور عبد السلام داود العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
فيما يتعلق بالنقطة التي طرحها فضيلة الرئيس في البداية، وهي موضوع عام أرجو أن أشير فيه إلى أنه لعله نستطيع في هذه الجلسة – أقصد في هذه الدورة – أن نتفق على أسلوب لإعداد البحوث حيث تخرج توجيهات للباحثين تطلب منهم التركيز على القضايا المطلوب التركيز عليها، لتحقيق ما تفضلتم به بحيث يكون البحث في إطار بيان الحكم الشرعي، لأنه يلاحظ على بعض البحوث أنها تخرج عن الموضوع وتقدم عرضًا لقضايا أخرى لا علاقة لها بصلب الموضوع، يجب في الواقع أن نميز في هذا الأمر بين أمرين: من حيث المساكن ومن حيث الجهات التي تتولى هذا الموضوع أيضًا بين جهتين.
فيما يتعلق بموضوع المساكن هنالك مساكن للفقراء الذين لا يجدون ما يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارة – كما عبر ابن حزم – أي بعبارة أخرى تأمين حد الكفاية من حاجة السكن الذي لا يصح أن لا يوفر للإنسان في المجتمع الإسلامي، والأمر الآخر الذي هو مساكن فوق هذا الحد مما يحرص عليه الناس لمزيد من الراحة والتمتع، وهذا – ما دام لم يخرج إلى إطار الترف – لا تجد الشريعة فيه حرجًا.
أما من حيث الجهات: - جهة الدولة كما أشارت بعض البحوث وجهة المؤسسات الاستثمارية التي تعالج هذا الموضوع وتشتغل به – فيما يتعلق بأمر الدولة هنا لا نستطيع أن ننيط بها أكثر من النوع الأول من المساكن، وهو مساكن الذين لا يجدون ما يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارة، باعتبار مسؤولية الدولة في تحقيق الحد الأدنى أو حد الكفاية بالنسبة للحاجات الأساسية ضمن التشريعات المقررة في هذا المجال ويقف على رأسها تشريع الزكاة كما نعلم جميعًا.
لذلك أنا مع أستاذنا الشيخ محمد العثماني من حيث إن من الأمور التي يجب أن نركز عليها في مجتمعاتنا المعاصرة موضوع تحصيل الزكاة، وبالتالي يكون الإعطاء من الزكاة لحاجة السكن، باعتبار أن حاجة السكن حاجة أساسية يجب أن توفر للناس الذين لا يستطيعون أن يجدوا ذلك من الفقراء والمساكين، ويمكن أن تقوم الدولة بهذا الأمر عن طريق مؤسسة الزكاة أو صندوق الزكاة ببناء مشاريع توزع على الفقراء أو تدفع إليهم أموالًا منها لغرض بناء المساكن كما أن للدولة إمكانية استخدام مواردها الأخرى بأن تبني أو توزع على الفقراء ما يمكنهم من تأمين هذه الحاجة، وكذلك صورة القرض الحسن أيضًا في هذا المجال ممكنة، لكن الموضوع الآخر، إذا لم تجد الدولة المال الذي يكفيها لتحقيق هذه الحاجة الأساسية للفقراء، فمن المعلوم أن فقهاءنا قد عالجوا هذه القضية ونصوا بكل وضوح على أن من حق الدولة أن تفرض على الأغنياء ما يفي بحاجات الفقراء الأساسية، ومنها حاجة السكن، ولعل هذه الموضوع – موضوع فرض ضرائب جديدة – من الموضوعات التي يمكن أن تعالج باستفاضة في دورات قادمة، وقد أوضحت في إحدى الدراسات الخاصة بي حول هذا الموضوع أن حق الفقراء – حق الفقراء بالكفاية ومنها كفاية المسكن – متعلق بأموال الأغنياء، وأن للدولة أن تضع من التشاريع والأنظمة لتحقيق هذا الجهد.