فالإجماع حجة في حد ذاته لم يخالف في ذلك إلا النظام وطائفة قليلة لا يعتد برأيها. ولكن أريد أن أناقش هذا الإجماع، هذا الإجماع أيضا يستند إلى دليل من جملة أقوال الفقهاء. الفقهاء عللوا بعلتين كما ذكره الفقهاء المالكية خصوصًا البناني على حاشية الزرقاني وقد ذكر الأخ كلام الدردير أيضا وكلام الدسوقي، فالبناني على حاشية الزرقاني يقول (عند قول خليل لا بكجعل، أي لا يجوز الضمان بكجعل، قال لدورانه بين أكل اموال الناس بالباطل وبين قرض بزيادة القرض بمنفعة، لأن الضامن أو الكفيل إما أن يؤدي ويرجع على المضمون وحينئذ يكون هذا من باب قرض بزيادة، وإما الا يؤدي المكفول ويكون هذا من باب أكل اموال الناس بالباطل. حينئذ بزيادة. والإجماع قد يستند إلى القياس كما تعلمون وكما مشهور عند علماء الأصول، وأول إجماع استند على قياس هو إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر رضي الله عنه قياسًا على الصلاة، كما يقوله علماؤنا وكما هو معروف لديكم.
الدليل الثاني: إذا يؤد الكفيل وأدى المضمون المال فإنه يكون من باب أكل أموال الناس بالباطل، هذا يستند إلى آية من كتاب الله {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} ما معنى الباطل؟ قد يقول البعض: أن الباطل هو الحرام، ولكن هذا ليس صحيحًا فالباطل له معان عدة منها الحرام ومنها العبث، يعني أكل أموال الناس بدون مقابل، كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} أي عبثا، فكلمة باطل تعني عدم المقابل وتعني الحرام أيضا، فيكون الإجماع مستندا على هذه الآية.
ثالثا: المسألة وإن لم يرد فيها نص فإن العلماء يقيسونها على النصوص الموجودة لديهم وتكون من باب المشتبهات التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم والبخاري واللفظ هنا لمسلم ((إن الحلال بين وأن الحرام بين، وبينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد أستبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) وأخذت لفظ مسلم لأنه يقول وقع في الحرام أما لفظ البخاري يقول: ومن وقع في الشبهات كراع، ولا يقول: وقع في الحرام، ومعناه أن الشبهات تكون حرامًا، معناه أن الأمر إذا اشتبه علمناه ولم نعرف هل يدخل في قواعد الحلال أو قواعد الحرام فإنه يحكم له بحرمته إذا أخذناه برواية مسلم وهي قوله وقع في الحرام. طبعًا خلاف الشبهة معروف لديكم الماوردي يقول: أن الشبهة هي المكروه. وبعض العلماء يقول: إنه لا يحكم لها بحكم حتى تصنف تبعًا لأشباهها ونظائرها. لا أطيل عليكم في مسألة الشبهة فهي معروفة لديكم.