ذلك أنى قلت إذا جاز أخذ الأجر على الكفالة فان تحريم الربا يفقد حجيته. فلا يبقى هناك مجال أبدا لتعليل حكمة الربا، لماذا؟ لأننا نحرم على المقرض أن يأخذ فائدة، أو أي زيادة على مبلغ القرض، لماذا؟ لأنها ربا وهو محرم.
فكيف إذن نبرر ذلك إذا قبلنا أن الكفيل لمجرد تعرضه لأن يؤدي عن المكفول مالا في المستقبل وقد لا يؤدي، لا تقع المسئولية لمجرد هذا الالتزام وتعرضه إلى أن يؤدي عنه مالا في المستقبل سيصبح قرضا، أننا نسوغ له أخذ الأجر. ذاك المقرض الربوي الذي يدفع بالفعل ويتخلى عن جانب من ماله لمصلحة ذلك الآخر الذي يستعمل مال ذلك المقرض، نقول: لا يجوز أن يأخذ هذا المقرض زيادة عن ما اقرض، وإذا لم يقرض بالفعل ولكنه دخل تحت مسئولية تعرضه لأن يؤدي فيما بعد، وقد لا يحتاج إلى التأدية، نقول: يأخذ.هذا انكشف لي فيه تناقض إذا أقررنا جواز أخذ الأجر على الكفالة.
وزالت غمامة في فكري في الموضوع وظهرت لي حكمة اتفاق الفقهاء، وكنت اعجب لهذا الاتفاق لأنه قلما توجد مسالة فقهية ليس فيها خلافات في المذاهب والآراء بكثرة. هذه لم أجد فيها خلافات، فكنت اعجب من هذا الاتفاق فانكشفت لي بذلك الحكمة وقلت: هذا لو قبل أخذ الأجر فيه، لفقد الربا حجية تحريمه. واستقر فكري على هذا الموضوع. ولكني بقي في نفس شيء، كيف نعالج مشكلات العصر في هذا الشان ونحن نرى أن البعثات العلمية لا يمكن أن تقررها وتنفذها الحكومات إلا إذا قدم طالب البعثة خطاب ضمان مصرفي لكي يبعث للدراسوالعلم. المتعهدون لا يمكن أن يقبل منهم دخول في تعهد لأعمال حكومية ولمصالح تعميرية وإنشائية إلا إذا قدموا خطاب ضمان.
كثير من وظائف الدولة وهي أعمال عامة مشروعة إذا كان هناك فيها علاقة مالية فيها أمانة، وما إلى ذلك لا يوظف فيها الموظف إلا إذا قدم خطاب ضمان. مثلا أمين صندوق، النظم لا يمكن أن يعين أمين الصندوق في دائرة أو وزارة إلا إذا قدم خطاب ضمان. وهكذا كثير من الأعمال ربطتها النظم القائمة الحالية، ربطتها بتقديم خطابات ضمان، فكيف نعالج هذه المشكلة؟ الواقع زادني الأمر حيرة بعدما انشرح صدري في ذاك الوقت وأعطيت آراء كثيرة متعددة بالحرمة وبتوجيهها بهذا التوجيه، لكني في مواجهة المشكلة القائمة في الحياة الحاضرة والتي إذا سد فيها باب الأجر على خطابات الضمان تعطلت مصالح وتوقفت بعثات دراسية وتوقفت أعمال إنشائية ومقاولات وتعهدات ووظائف عديدة ….الخ كيف نعالج هذا؟ أن هذا مشكل يجب أن يعالج.