2- ويعززه كذلك أن الشرع الإسلامي جعل الضمان واحدا من شروط استحقاق الربح، فإن الجمهور – وبناء على أحاديث اشتراط قبض المبيع قبل بيعه – قالوا لا يجوز بيع السلعة المشتراه قبل قبضها. وعلّلوا ذلك بأنه يقبض السلعة فإنها تدخل في ضمان البائع وتهلك عليه فيستحق إذن الربح في البيع مقابل خطر الضمان هذا. فهنا لم يكتف الشارع بمجرد ملكية السلعة وإنما اشترط فوق ذلك أن تدخل في ضمانه حتى يجوز له أن يبيعها ويستحق عليها الربح. فكان هذا مؤشرًا آخر على جواز أخذ الأجر بناء على الضمان كما جاز استحلال الربح هناك بناء على الضمان ومع الخلاف بين الضمانين إلا أن جوهرهما واحد.

3- ثم هل الوجاهة عمل أم أنها ليست بعمل. معلوم أن الوجاهة والثقة في الشخص الطبيعى أو الاعتباري لا تأتي إلا بجهد عمل كبير ومضطرد وممتاز، بحيث يستقر ويتأكد بموجب هذا الفصل أن هذا الشخص أهل للثقة ويمكن الأعتماد عليه. ثم أن مسئوليته تجاه هذه الثقة والوجاهة ستزداد بعد أن يصبح أهلًا ومحلًا لثقة الآخرين. ولا يستطيع المحافظة عليها إلا بمزيد من العمل الممتاز المتمثل في الوفاء بالأمانة رغم كل الظروف الصعبة.

فالوجاهة وإن لم تكن عملا في ذاتها فهي نتاج عمل مسئول وممتاز. ولا يتصور خلق سمعة في وسط من الأوساط ولا يتصور المحافظة على هذه السمعة إلا بالعمل. فالعمل هو الأساس والثقة هي النتاج والمظهر. ولذلك عبّر أبو حنيفة – كما جاء في عبارة ابن رشد - عن هذه الوجاهة بأنها عمل من الأعمال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015