فالأصل في الهبة أن تكون تبرعا ومعروفا ومجانا ولكن يجوز فيها فوق ذلك عند الجمهور أن تكون بعوض مادي. فإذا صح ذلك في الهبة وهي أصل تصرفات التبرع ففيما سواها ينبغى أن يكون أجوز.
الوكالة:
إن التصرف الواحد قد يكون من عقود المفاوضات وعقود التبرعات في آن واحد. والوكالة أوضح مثال لهذه الازدواجية. قال ابن جزي: تجوز الوكالة بأجرة وبغير أجرة فإن كانت بأجرة فحكمها حكم الاجارات. وإن كانت بغير أجرة فهو معروف من الوكيل (?) . ولقد سبقت عبارة ابن قدامة في هذا المعنى حيث بينت أن الوكالة تجوز بأجر وبغير أجر.
واحسب أن الضمان يمكن أن يكون من هذا القبيل هو الأصل فيها أن تكون تبرعا.. ولكنها ليست بواجب على أحد. فإذا اشترى مؤديها عوضا لها جاز له ذلك دون تأثير على أنها في الأصل تبرع كالهبة. وبذلك يتضح لنا جليا أن الحكم على عدم جواز الأجر على الضمان باعتباره عقدا من عقود التبرعات حكم لا يسنده دليل. إذ اتضح أن كون العقد أو التصرف من قبيل التبرع لا ينفي عنه العوض. كل ما هناك أن العوض فيه ليس بشرط. كما يقول ابن عابدين. ولكن إذا شرط العوض فيه جاز.
وينبغى أن ننبه إلى أن معظم التصرفات السائدة في مجتمعنا اليوم باعتباره من قبيل التبرعات وتعتبر من وجوه التكافل في المجتمع المسلم كالمساعدات في الأفراح بأنواعها والأتراح بأنواعها إنما هي مبنية على معنى هبة الثواب – أي تبرعات بعوض وصحيح أن العوض ليس مشروطا فيها ولكنه معروف عرفا مستقرا. ونحن نعلم أن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.