فأخذ يدرس مبادئ العربية والافرنسية والإيطالية، وما كاد يشب، حتى أتقن هذه اللغات، وبرع في العربية أيما براعة، ونبغ فيها على صغر سنه: واتخذها وسيلة للدخول بها في ميدان
العمل والكسب شدا لأزر والدته وإسعافا لأخوته.
وفي عام 1859، أنشأ المرسلون الأميركيون مدرسة في اللاذقية فقرأ فيها زمنا يسيرا، على أحد معلميها ليتقن أصول العربية وقواعدها على طريقة علمية وذلك كلما سمحت الفرص. ثم انقطع يشتغل بنفسه فعكف على دراسة كتب أئمة اللغة والتفقه بها (لا يرشده في ترهات الإبهام سوى مشكاة عزيمته المتلألئة بنور الهدى ولا يؤنسه في وحشة السآمة والملل إلا جليس الجد والاجتهاد) حتى لم تفته شاردة ولا واردة وعرف مداخل اللغة وخارجها ووقف على دقائقها وأسرارها وبلغ فيها شأوا بعيدا.
المهن والوظائف التي احترفها
في سنة 1866م تعين ترجمانا لقنصلية أميركة في اللاذقية وامتهن التجارة مع الخواجات الياس وجبران صوايا. لكنه لم يلق فيها نجاحا وإنما حاز نجاحا في اشتراكه في التزام أعشار قضائي جبلة واللاذقية. وفي عام 1872 تولى إدارة قنصلية اميركة لداعي رجوع القيس قنصل الدكتور متيني إلى وطنه. ولكنه ما لبث أن استعفى منها عام 1875. وانخرط في سلك رجال الحكومة عضوا في المحكمة الابتدائية وظل فيها إلى آخر أيامه.
معرباته وتآليفه
في عام 1869 طلبت إليه الرسالة الأمريكية نظم المزامير مع إبقاء المعنى الأصلي وتلحينه فأتمه سنة 1874 ثم اضطر إلى السفر إلى مصر على طلب الرسالة ليشرف على طبعه حيث بقي عاما كاملا. وشرع في تأليف تاريخ نفيس مطول لموطنه اللاذقية عام 1873 فبقي مخطوطا إلى الآن في ثلاثة مجلدات وقد حوى تاريخ هذه البلدة منذ إنشائها إلى أيامه ودعاه (آثار الحقب في لاذقية العرب) ولما كان من أرباب القانون ومن المتضلعين منه قد عرب عن التركية والفرنسية كتبا قانونية وتاريخية كالدستور الهمايوني وقوانين الدولة وغيرها ولكها لا تزال خطية ولم يطبع من مؤلفات سوى خطبة له في حقيقة التهذيب نشرت في المطبعة العمومية