وقد جاء ما يعارض الأحاديث السابقة مثل قوله عليه السلام فيما رواه الحاكم (?) عن ابن عباس قال: قال رسول الله (: (ليس عليكم في غُسْلِ ميتكم غُسْلٌ إذا غسلتموه فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم)
قال الحاكم (?) : (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
وفيه رفض لحديث مختلف فيه على محمد بن عمرو بأسانيد (من غسل ميتاً فليغتسل)) .
قلت: ولهذا اختلفت طرائق العلماء في العمل بهذه الأحاديث، فبعضهم رفضها لضعفها عنده، وبعضهم قال: إن الغسل من تغسيل الميت منسوخ كما ذهب إليه أبوداود (?) ، وأيده الحافظ ابن حجر في كتابه تلخيص الحبير (?) محتجاً بالحديث الأخير.
وقال: وهو أحسن ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث والله أعلم.
وبعضهم جمع بين الأحاديث فقال: يحمل الأمر في الغسل على الندب أو المراد بالغسل غسل الأيدي كما صرح به في الحديث الأخير، يؤيده ما روي عن ابن عمر قال (?) : كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل.
قال البيهقي (?) : (أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا أبو اليمان أخبرني شعيب بن أبي حمزة قال: وقال نافع:كنا نغسل الميت فيتوضأ بعضنا ويغتسل بعض ثم يعود فنكفنه ثم نحنطه ونصلي عليه ولا نعيد الوضوء.
وبإسناده قال: أخبرني شعيب قال: قال نافع: قد رأيت عبد الله بن عمر حنط سعيد بن زيد وحمله فيمن حمله ثم دخل المسجد فصلى ولم يتوضأ) .
قال الخطابي (?) : (لا أعلم أحداً من الفقهاء يوجب الاغتسال على من غسل الميت ولا الوضوء من حمله، ويشبه أن يكون الأمر في ذلك على الاستحباب) .