ويمكن أن يقال: بأنه ليس هناك تعارض البتة بين الكتاب وصحيح السنة، وقد سبق التنبيه على مثل هذا فليرجع إليه، وأما قولهم إن المشهور من السنة أقوى من الغريب (السنة الآحادية الصحيحة) فهذه القوة لا تمنع من العمل بالخبر الصحيح لا سيما إذا كانت دلالة خبر الواحد قطعية ودلالة المشهور محتملة كأن تكون عامة أو مطلقة أو مجملة.
وقولهم إن الضعيف لا ينسخ القوي فهذا غير مسلم فإن النسخ متعلق بالدلالة لا بالسند فالناسخ صحيح السند –وهذا لابد منه - رافع لدلالة المنسوخ ومبطل لها.
قال الشيخ الشنقيطي (?) رحمه الله: (التحقيق الذي لا شك فيه هو جواز وقوع نسخ المتواتر بالآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عنه والدليل الوقوع.
أما قولهم إن المتواتر أقوى من الآحاد والأقوى لا يرفع بما هو دونه فإنهم قد غطلوا فيه غلطاً عظيماً مع كثرتهم وعلمهم، وإيضاح ذلك أنه لا تعارض البتة بين خبرين مختلفي التاريخ لإمكان صدق كل منهما في وقته، وقد أجمع جميع النظار أنه لا يلزم التناقض بين القضيتين إلا إذا اتحد زمنهما، أما إن اختلفا فيجوز صدق كل منهما في وقتهما، فلو قلت: النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس، وقلت أيضاً: لم يصل إلى بيت المقدس، وعنيت بالأولى ما قبل النسخ، وبالثانية ما بعده لكانت كل منهما صادقة في وقتها.