وقد اختلف العلماء في حكم نفقة وسكنى المبتوتة كاختلاف الصحابة رضي الله عنهم إلى ثلاثة أقوال (?) :
الأول: - ليس لها سكنى ولا نفقة. وبه قال الحسن وعطاء بن أبي رباح والشعبي وأحمد وإسحاق.
الثاني: - لها السكنى والنفقة. وبه قال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
الثالث: - لها السكنى ولا نفقة لها. وبه قال مالك بن أنس والليث بن سعد والشافعي.
وبعد هذا الاستعراض الموجز للروايات الواردة في المسألة وأقوال الصحابة والعلماء فيها تبين أن ترك بعض العلماء لرواية فاطمة بنت قيس إنما هو لتعارض روايتها مع رواية عمر بن الخطاب، ولاختلاف ألفاظ حديث فاطمة في ذكر النفقة والسكنى؛ فسبب اختلاف العلماء هو تعارض الروايات والسنن، لاكما يصوره متأخرو الحنفية من أن أبا حنيفة ومن معه من الأئمة قد ردوا خبر فاطمة رضي الله عنها لكونه مخالفاً لكتاب الله.
يوضح ذلك أنه لو كان حديث فاطمة رضي الله عنها باطلاً لمخالفته كتاب الله لما احتج به الأئمة كلهم في غير هذه المسألة.
قال ابن القيم (?) : (ولا يعلم أحد من الفقهاء رحمهم الله إلا وقد احتج بحديث فاطمة بنت قيس هذا وأخذ به في بعض الأحكام كمالك والشافعي وجمهور الأمة يحتجون به في سقوط نفقة المبتوتة إذا كانت حائلاً.
والشافعي نفسه احتج به: على جواز جمع الثلاث؛ لأن في بعض ألفاظه (فطلقني ثلاثاً) ، وقد بينا أنه إنما طلقها آخر ثلاث كما أخبرت به عن نفسها.
واحتج به من يرى جواز نظر المرأة إلى الرجال.
واحتج به الأئمة كلهم على جواز خطبة الرجل على خطبة أخيه إذا لم تكن المرأة قد سكنت إلى الخاطب الأول.