إن لم يكن إذعان للدعوة أو استجابة لرسل الله تعالى أو وقف العناد في وجه الدعوة وبقيت المكابرة مركبا ذلولا لأهل الطغيان، أو انعدم حق الصلة والقرابة، فلا بد من إعلان المفاصلة ولا بد من تنفيذ الموادعة، لتجد الدعوة أرضا خصبة تبذر فيها بذورها، وذلك يتمثل في موقف إبراهيم (حين أعلنها صريحة: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين ((الصافات 99) . (?) .بعد أن كذبه قومه وقد شاهدوا الآيات فتعصبوا للأصنام وَلاءً لها وانتقاما من أجلها، لأن قضية التوحيد فوق كل القضايا وطلب العزلة حفاظا على دين الله أمر واجب: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي، عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ((مريم 48) . (?)
وهذه المفاصلة والموادعة إنما هي إفصاح عن الحب والبغض في الله وتحقيق لمبدأ الولاء والبراء الذي أخبر الله عن خليله (بقوله: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ((التوبة 114) . ويؤكد هذا ما جاء في قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني بَرَآءٌ مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ((الزخرف 26- 28) (?) .