لقد كان الرفق واللين محمودا في أكثر الأحوال، قال تعالى مُنَوّها بفضله: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكرُ أو يخشى ((طه (43، 44) . وقال: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ((النحل 125) . وقال (: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه) وفي رواية عنه (: (من يحرم الرفق يحرم الخير) (?) ويقول (: (إنّ الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) (?) .
إلا أن للين والرفق مواضع، وللشدة والقسوة مواضع، والداعية بمثابة طبيب يعالج الأمور بمقتضى الحال والشأن، فيعطي كل إنسان مايناسبه من الدواء.
بالنظر إلى اعتبار أن الرفق واللين له الصدارة والأسبقية، وأن الرأفة والرحمة المتضمنة لأرق الألفاظ وأعذبها والتزام الأدب والوقار هو الأساس إلى سبيل الرشاد، ليبرز ذلك كله في صورة المشفق الناصح الأمين الحريص على المصلحة، كما حكى الله عن الخليل وهو يستميل أباه وقومه بأرق الألفاظ وأعذبها: (يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سَوِيّا، يا أبت لا تعبدِ الشيطان إن الشيطانَ كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمسَكَ عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً (. (مريم (42- 45) .
فإذا وصل اللين والرفق إلى طريق مسدود دون جدوى أو فائدة، فلا ما نع من مجانبة الأدب أحيانا، ليحس الإنسان بعظيم مرتكبه وكبير جرمه، كما حكى الله (عن الخليل (حين دعوته لأبيه وقومه: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين ((الأنعام 74) (?) . وقال تعالى عنه: (يا أبت لِمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً ((مريم 42) .