فالأدب لا يُعَدّ أدباً حين يتشبث بالمقوّم الجمالي ويستوفيه، ولا يكون أدباً بسمو وظائفه، ونقاء مضامينه، فهناك يكون شكلاً جمالياً خالياً من الروح، وهنا يكون مضامين باردة، ووظائف عارية لا يسترها الفن بشفافيته الساحرة، وإنما الأدب هو جمالٌ في الشكل وجمالٌ في المضمون، وتناسب بين الجمال الجسدي والجمال الروحي وهذه “ الوسطيّة الجمالية ” ذخيرة من ذخائر تراثنا العربي الذي يتأسس فيه الوعي الجمالي على تصور كوني خالد للوجود لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولهذا يجعل الأدب ضرباً من “ الجهاد ” يقول: ((أيها الأديب الذي يظنّ أنّ ما وهبه الله من إدراك ويقظة، حقّه لاحق الأمة عليه، ولا أمانتها عنده، الأدب نصيبك من الجهاد فاصدع به وتصبّب عرقاً للأمة التي ما بلغت بك الرشد على ضعفها، حتى تصبّبتْ عرقاً، كن لنفسك قليلاً، ولها كثيراً واستح)) (?) .
الموضوع الأدبي:
وهذا “ الجهاد الثقافي ” الذي يشكل الأديب إحدى ترساناته يجعل الموضوع الأدبي مُلْكاً مشاعاً للأديب ولغيره من الناس، لكنّ عبقريّة الأديب تكمن في قدرته على إضفاء مسحة من الجمال الأدبي، على موضوعه والارتقاء به إلى الأدب في خصوصيته، ولهذا لا فرق عنده بين محام وأديب وصحافي إلا بالإجادة والإتقان ((ولست مؤمناً بالفكرة القائلة إن للأدب مواضيع محدودة إذا تجاوزها الكاتب إلى غيرها خلعت عنه سمة الأديب، واعتبر أن بعض مذكرات المحامين ومرافعاتهم من أرفع النماذج الأدبيّة وليست المحاماة أقرب إلى الأدب لأي سبب من الصحافة)) (?) .