وقد يتخطى الحجر هذه القيمة الجمالية إلى منزلة أسمى حين يكون مادة في يد الفنان “ النحات ” الذي يشكّل منه نحتاً فنيّاً يتخطى به المنفعة وجمال الشكل إلى جمال المعنى ((النحات يصنع منه التماثيل، والزخارف، وفاتن الأشكال، لا يضع فيها دقة الصناعة، وجمالها، والنفع.. بل المعنى والفكرة، ورمز الفن وتعبيره، وأثرها في الخيال. فصناعة النحت أتاحت للحجر تعبيراً أرقى من تعبيره في المأوى الحاجيّ، وفي المنزل الكامل)) (?) .

والكلام بوصفه مادة البناء الأولى، وأداة التعبير عن الأفكار والمشاعر يترقّى في سلم الجمال بترقي الخطاب الذي تشكل من تلك المادة، المتحدث العادي يصنع به “ صور أغراضه ومراميه وشعوره ” (?) ، فتكون الغاية من توظيف هذه المادة التواصل مع الآخرين وهي أدنى غايات الكلام وأقلّها جمالاً، ((ويصنع به الخطيب والكاتب وسيلة التأثير والاستفزاز، والاستهواء وترسيخ الغرض، وتوكيد الطلب، وعرض الفكرة، والدّعوة إليها)) (?) . وهنا يدخل الكلام عالم الأدب فتكون الغاية الإثارة والإمتاع، وليس التفاهم والتواصل؛ لأن الخطيب والكاتب لا يهدفان إلى توصيل الفكرة، بقدر ما يهدفان إلى التأثير بها، واستمالة القلوب إليها ((ويصنع به الشاعر كل ذلك أو بعضه في صور أعمق فنيّة، وأوضح مثالية، وأفصح جمالاً، وأروع فتنة)) (?) . وهذه الفتنة هي الغواية والسحر الحلال الذي يمثل أرقى صور الجمال حيث يكون الكلام متبوعاً لا تابعاً، لما ينطوي عليه من قيم الجمال، وسحر البيان الذي يخيّل للإنسان مالا يتخيّل فيخلب لبّه، ويسحره، ويطهّره من أدرانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015