قد يكون للجمال مواصفات شكليّة، لكنَّها تختلف من متلقٍ إلى آخر باختلاف الثقافة والخبرة، ولهذا لا يكاد يجمع الناس على مفهوم محدّد للجمال، لأن الأذواق مختلفة، ولهذا في البدء يتساءل حمزة شحاتة عن ماهية الجمال فيقول: ((والجمال في ذاته ما هو؟ أهو تجاوب القسمات، واتساق الملامح، واكتمال الانسجام، أم هو معان مكنونة تعبّر عنها ظواهره البادية؟ .
إن الجمال جمالٌ بما تولّد النفوس من معانيه، ونقيس من مشابهه ونتخيّل من دلائله وإشاراته، لا بما يلقاها به من حدود وزخرف، وإنما هو جمال بما يثير فيها من بهجة، ويطلق من أصداء، ويحبو من حريّة وخصب فهل تبقى معانيه حيّة، وتأثيره دائماً على تغيّر القسمات والملامح وخصب وانطفاء لمعتها البهيجة؟)) (?) .
فالجمال ليس في “ صور الأشياء ” وإنمّا في “ الشعور بصور الأشياء ” ولهذا يختلف “ الموقف الجمالي ” لدى المتأملين باختلاف شعورهم، وتلوّن أحاسيسهم ((فالمعاني تُنسب إلى مظاهر الوجود من قبيل التغليب، وإلا فهي في حقيقتها معاني أنفسنا، وصور أفكارنا ومشاعرنا، وتأثيراتنا، وهب أنني رجلٌ “ أكمه الذوق ” فما تكون معاني هذه الصور في نفسي؟
أو هب أنني فلاّح يقضي حياته بين حقوله وعلى ضفاف جداولها المنسابة فتكون معانيها في نفسي، ودخائل فكري هذا الجمال المعبّر الأخاذ الذي يحسه الشاعر ويساجله، ويناغيه العاشق وينافثه، ويحدثه الفيلسوف، ويستنطقه؟؟ أم أنها تكون عندي رمز الكد وضرورة الإنتاج والنصب للعيش وضروراته القاهرة)) (?) .