ومعلوم أن طوق الحمامة هنا تشبيه بليغ وليس استعارة، مما يعني تسامح السهيلي في استعمال المصطلحات البلاغية، ولا يكون التشبيه البليغ مجازا إلا على مذهب ابن الأثير كما سبق ذكر ذلك.
المبحث الرابع: البلاغة القرآنية وإعجاز القرآن الكريم
من الطبيعي أن يعرض السهيلي لبعض القضايا الجمالية التي تتعلق بالنظم القرآني طالما أنه يتناول السيرة النبوية وما نزل من القرآن في أحداثها، من ذلك ما ذكره في حديثه عن سورة الكهف، وما في مطلعها من براعة الاستهلال الذي يقتضي الابتداء بالحمد بهذه السورة، يقول: "وذكر افتتاح الرب سبحانه بحمد نفسه، وذكر نبوة نبيه، حمده لنفسه تعالى خبر باطنه الأمر والتعليم لعبده كيف يحمده، إذ لولا ذلك لاقتضت الحال الوقوف عن تسميته، والعبارات عن جلاله، لقصور كل عبارة عما هنالك من الجلال، وأوصاف الكمال، ولما كان الحمد واجبا على العبد، قدم في هذه الآية ليقترن في اللفظ بالحمد الذي هو واجب عليه، وليستشعر العبد وجوب وجوب الحمد عليه" (?) .
وإذا كان السياق هنا يقتضي البدء بالحمد، ففي سورة الفرقان يقتضي البدء بذكر الفرقان أن يفتتح السورة بتبارك، وهنا يظهر إعجاز القرآن وبراعة أسلوبه، حيث يلتئم فيه اللفظ مع المعنى في وحدة بديعة، ونظام باهر، يقول السهيلي: "وفي سورة الفرقان قال: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ((الفرقان: 1) وبدأ بذكر الفرقان الذي هو الكتاب المبارك، قال الله سبحانه: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك ((الأنعام: 92) فلما افتتح السورة بتبارك الذي، بدأ بذكر الفرقان، وهو الكتاب المبارك، ثم قال: (على عبده (، فانظر إلى تقديم ذكر عبده على الكتاب، وتقديم ذكر الكتاب عليه في سورة الفرقان، وما في ذلك من تشاكل اللفظ والتئام الكلام، تر الإعجاز باهرا، والحكمة باهرة، والبرهان واضحا" (?) .