لقد عني الإسلام بذلك عناية فائقة واعتبره من مهمات هذا الدين وحث عليه نبينا بالقول وبالفعل، وشرع من الأسباب ما يؤدي إلى ذلك، كتولية القضاء للفصل في الخصومات التي تقع بين الناس، ووضع القواعد التي تمكن صاحب الحق من الوصول إلى حقه وترد المبطل عن باطله، ولما كانت الدعوى والجواب عنها من تلك الوسائل التي توصل الحق إلى مستحقه وترد المبطل عن باطله فقد جاء التشريع الإسلامي فيها بأسمى نظام وأكمل تشريع، ولما كان صاحب الحق قد لايتمكن من الدعوى أو من الجواب عنها بنفسه إمَّا لشرفه، أو لعجزه، أو لغير ذلك من الأسباب، فقد شرع التوكيل في الخصومة من جانب المدعي ومن جانب المدعى عليه ليتمكن كل منهما من الوصول إلى حقه، وإذا كان قد وجد في زماننا من تخصص في التوكل عن المتخاصمين ويختار لذلك الألد الخصم الذي يجيد الحيل بحيث يتمكن من إظهار المجرم العنيد في صورة المظلوم المفترى عليه مقابل ما يأخذه من المال عوضاً على وكالته فإن التشريع الإسلامي يعتبر التوكل عن الغير في المخاصمة مبدأ من مبادئ التعاون على البر والتقوى إذا كان الغرض منه إيصال الحق إلى مستحقه ونصرة المظلوم، كما يعتبر تعاوناً على الإثم والعدوان؛ إذ كان الغرض منه إعانة الظالم وتلبيس الحق، ولذا فقد استنبط فقهاؤنا الإجلاء القواعد والشروط التي تكفل تحقيق الغرض الشرعي من هذا النوع من أنواع الوكالات هذه القواعد والشروط مستنبطة من كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ - وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ولَمَّا كانت أحكام الوكالة بالخصومة متناثرة في كتب الفقه فقد حاولت في هذا البحث جمع مسائل هذا الموضوع، وإيضاح آراء الفقهاء في مسائله، وبيان أدلتهم وما يرد عليها من المناقشات؛ للوصول إلى الرأي الراجح وقد عنونته ب ((التوكيل في الخصومة في الفقه الإسلامي)) .
وقد كان الداعي إلى الكتابة في هذا الموضوع بجانب ما مر من أهميته ما يلي: