فتبيّن مما تقدّم من قصة نوح وهود أن الهدف الأساسي للدعوة الَّذي بعث الله من أجله الرسل وأنزل الكتب هو توحيد الله جلّ وعلا بالعبادة، فهذا تتّفق فيه دعوات الرسل جميعًا، أمّا شرائعهم فإِنَّهَا تختلف؛ كما قال
تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ... ((?) . أمّا في أصول الدين فإِنَّهَا تتفق تمامًا، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ... ((?) . وفي الحديث المتّفق عليه: أنّ الأنبياء إخوة لعَلاّت، أمهاتهم شتى ودينهم واحد. وفي رواية البخاريّ: أولاد عَلات (?) .
ومعنى الحديث: أن الرسل متّفقون في أصول الدين، وعبّر عن ذلك بأنهم أولاد عَلات، وأولاد العَلات الإخوة من الأب، وأصله أنّ من تزوج امرأة ثُمَّ تزوج أخرى كأنه عَلَّ منها، والعلَلُ: الشرب بعد الشرب، فأولاد العَلات الإخوة من الأب وأمهاتهم شتى، وفي بعض الروايات: أمهاتهم شتى ودينهم واحد، فكنى عن توحيد دينهم باشتراكهم في الأبوة، فأصل الدين الَّذي هو التوحيد واحد وإن اختلفت فروع الشرائع (?) .