ويقول ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى لنبيه (: هذه القصة وأشباهها من أنباء الغيب يعني من أخبرا الغيوب السالفة نوحيها إليك على وجهها كأنك شاهدها أي نعلمك بها وحيًا منا إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا أي لم يكن عندك ولا عند أحد من قومك علم بها حتَّى يقول من يكذبك إنك تعلمتها منه بل أخبرك الله بها مطابقة لما كان عليه الأمر الصحيح كما تشهد به كتب الأنبياء قبلك فاصبر على تكذيب من كذبك من قومك وأذاهم لك فإنا ننصرك ونحوطك بعنايتنا ونجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة كما فعلنا بالمرسلين حيث نصرناهم على أعدائهم (?) .
قلت: إنّ في الآية منهجًا عظيمًا من مناهج الدعوة أمر الله نبيه محمَّدًا (إمام الدعاة به ألا وهو الصبر على الأذى من المدعوين فالأمر له (أمر لنا لأنّ الأمر للقدوة أمر للأتباع، والأمر للوجوب إِلاَّ إذا وجدت قرينة صارفة عن الوجوب ولم توجد هنا قرينة فعلى الدعاة إلى الله أن ينتهجوا هذا المنهج امتثالاً لأمرِ الله تعالى واقتداء برسوله (، كما أن في الآية وسيلة من وسائل الدعوة وهي الترغيب: س إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ش، فوظيفة الدعاة هي الترغيب والترهيب لأنّ ذلك هو وظيفة الأنبياء، قال تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ ... ((?) ، وقال تعالى في خصوص نبينا محمَّد (: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ... ((?) ، فالآية الكريمة اشتملت على منهج أساسي من مناهج الدعوة إلى الله وعلى وسيلة عظمى من وسائلها أَيضًا، فليفرح الدعاة المتقون بأن الله ناصرهم لا محالة وأن العاقبة لهم لأنّ إخبار الله لا يتغير ولا يتبدل ولا يدخله النسخ فهذا الوعد محتم لا محالة.