واحتج المجيزون أَيضًا بعموم قوله (الثابت في صحيح البخاريّ من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما: ((إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)) (?) ، قالوا: إنّ الحديث وإن كان واردًا في الجعل على الرقيا بكتاب الله فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث المذكور في كتاب الإجارة: واستدل به الجمهور في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وخالف الحنفية فمنعوه في التّعليم وأجازوه في الرقى كالدواء، قالوا: لأنّ تعليم القرآن عبادة، والأجر فيه على الله، وهو القياس في الرقى، إِلاَّ أَنَّهم أجازوه فيها لهذا الخبر، وحمل بعضهم الأجر في هذا الحديث على الثواب، وسياق القصة في الحديث يأبى هذا التأويل، وادعى بعضهم نسخه بالأحاديث الواردة في الوعيد على أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وقد رواها أبو داود وغيره، وتعقب بأنه إثبات للنسخ بالاحتمال، وهو مردود، وبأنّ الأحاديث الَّتي ليس فيها تصريح بالمنع على الإطلاق، بل هي وقائع أحوال محتملة للتأويل لِتتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب، وبأنّ الأحاديث المذكورة أَيضًا ليس فيها ما تقوم به الحجة فلا تعارِضُ الأحاديث الصحيحة. اهـ (?) .
فتحصّل أن الجمهور على جواز أخذ الأجرة على التّعليم كما صرّح به ابن حجر قريبًا، وأن الحنفية يمنعون قائلين إن ذلك عبادة، والعبادة أجرها على
الله، لكنه لا مجال للاجتهاد مع وجود النصّ الصحيح، فالله جلّ وعلا كريم يعطي لعباده الأجر معجّلاً في الدنيا ويعطيهم الأجر في الآخرة، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، لا حرج في ذلك.