وهذا كله لا يقدح في أقدار هؤلاء الأئمة، ولا يغض من منزلتهم فما من أحد إلا وقد خُفيت عليه سنة، أو فاته فهم صحيح، فميراث النبوة ميراث ضخم واسع لا يحصى، وجعله النبي ش مشاعاً، لينهل منه العلماء، فما فات هذا الإمام من سنة وجدته عند الآخر، وما غفل عن فهمه ذاك، انقدح في ذهن هذا معناه، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، لذلك يقول الله تعالى: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً ( [الأنبياء: 78] فهذان نبيان كريمان إلا أن الله تعالى خصَّ أحدهما بالفهم دون الآخر.
ولا تظنَّن أن خفاء السنة عائد لعدم شهرتها - وأعني بالشهرة المعنى اللغوي - أو لكونها مذكورة في غير الصحاح، بل هناك أحاديث في صحيح البخاري غفل عنها كبار الأئمة، وإني لناقلٌ مسائل استدركها ابن رجب رحمه الله على بعضهم منها:
- أن ابن تيمية رحمه الله أنكر ورود لفظ: ((كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) في ألفاظ الصلاة على النبي (في التشهد، بالجمع بين ((إبراهيم وآل إبراهيم)) فقال: فهذه الأحاديث التي في الصحاح لم أجد فيها ولا فيما نقل لفظ: ((إبراهيم وآل إبراهيم)) بل المشهور في أكثر الأحاديث والطرق لفظ: ((آل إبراهيم)) وفي بعضها لفظ: ((إبراهيم)) وقد يجيء في أحد الموضعين لفظ: ((آل إبراهيم)) وفي الآخر لفظ: ((إبراهيم)) (?) .
وقد تعقبه ابن رجب في ((القواعد)) (?) فقال - بعد أن نقل كلامه -: ((كذا قال، وقد ثبت في ((صحيح البخاري)) الجمع بينهما من حديث كعب ابن عجرة (?)