شاع وذاع على لسان كثير من السلف أن اختلاف الأمة في الفروع هو ضرب من ضروب الرحمة، فروى عن القاسم بن محمد (?) قوله: ((كان اختلاف أصحاب رسول الله (رحمة)) (?) وعن عمر بن عبد العزيز (?) : ((ما يسرني باختلاف أصحاب النبي ش حُمْرُ النَّعَم)) (?) واشتهر حديث عند الفقهاء وهو: ((اختلاف أمتي رحمة)) (?) . وهذا كله حق لا مرية فيه، إلا أنه حق يعوزه شيء من التفصيل، وهذا التفصيل ذكره الإمام الشافعي - رحمه الله - في ((رسالته)) حيث جعل لهذا الاختلاف المرحوم قسيماً آخر، وهو: الاختلاف المحرَّم، فلما سئل - رحمه الله - ما الاختلاف المحرّم؟ قال: ((كل ما أقام الله به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيِّه منصوصاً بيّناً لم يحلَّ الاختلاف فيه لمن علمه)) واستدل على ذلك من كتاب الله تعالى بقوله: ((وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( [البينة: 40] وبقوله (: (ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات ( [آل عمران: 105] فهؤلاء المخالفين ما اختلفوا حتى جاءهم العلم، وجاءتهم البينة، فاختلفوا للبغي والظلم، لا لأجل اشتباه الحق بالباطل (?) .