ولما كان البدن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح: من يسير الحر، والبرد، والحركة، ونحو ذلك، فكذلك القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء: من الشبهة أو الشهوة، حيث لا يقوى على دفعهما إذا وردا عليه، والقلب الصحيح القوي يطرقه أضعاف ذلك وهو يدفعه بقوته وصحته.
وبالجملة فإذا حصل للمريض مثل سبب مرضه زاد مرضه وضعفت قوته وترامى إلى التلف، مالم يتدارك ذلك بأن يحصل له ما يقوى قوته ويزيل مرضه) (?) .
وأمراض القلوب التي تقدم ذكر بعضها في المبحث الأول كمرض الجهل ومرض الشهوات ومرض الشبهات، وأمراض الهمّ والغمّ والغيط والجهل والشك كل هذه الأمراض وغيرها من أمراض القلوب لها أدوية طبيعية وشرعية.
قال ابن القيم رحمه اللَّه: مرض القلب نوعان: نوع لا يتألم به صاحبه في الحال؛ وهو النوع المتقدم، كمرض الجهل، ومرض الشبهات والشكوك، ومرض الشهوات. وهذا النوع هو أعظم النوعين ألماً، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم، ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم، وإلا فألمه حاضر فيه حاصل له، وهو متوارٍ عنه باشتغاله بضده، وهذا أخطر المرضين وأصعبهما، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم، فهم أطباء هذا المرض.
والنوع الثاني: مرض مؤلم له في الحال، كالهمّ والغمّ والحَزَنِ والغيظ، وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية، كإزالة أسبابه، أو بالمداواة بما يضاد تلك الأسباب؛ وما يدفع موجبها مع قيامها، وهذا كما أن القلب قد يتألم بما يتألم به البدن ويشقى بما يشقى به البدن، فكذلك البدن يتألم كثيراً بما يتألم به القلب، ويشقيه ما يشقيه.