قال ابن القيم رحمه اللَّه: (كل عضو من أعضاء البدن خلق لفعل خاص به كماله في حصول ذلك الفعل منه، ومرضه: أن يتعذر عليه الفعل الذي خلق له، حتى لا يصدر منه، أو يصدر مع نوع من الاضطراب ... ومرض القلب: أن يتعذر عليه ما خلق له من معرفة اللَّه ومحبته والشوق إلى لقائه، والإنابة إليه، وإيثار ذلك على كل شهوة، فلو عرف العبد كل شيء ولم يعرف ربه، فكأنه لم يعرف شيئاً، ولو نال كل حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها ولم يظفر بمحبة اللَّه، والشوق إليه، والأنس به؛ فكأنه لم يظفر بلذة ولا نعيم ولا قرة عين، بل إذا كان القلب خالياً عن ذلك عادت تلك الحظوظ واللذات عذاباً له ولابد، فيصير معذباً بنفس ما كان منعماً به من جهتين: من جهة حسرة فَوْته، وأنه حيل بينه وبينه، مع شدة تعلق روحه به، ومن جهة فَوْت ما هو خير له وأنفع وأدوم، حيث لم يحصل له، فالمحبوب الحاصل فات، والمحبوب الأعظم لم يظفر به، وكل من عرف اللَّه أحبه، وأخلص العبادة له ولابد، ولم يؤثر عليه شيئاً من المحبوبات، فمن آثر عليه شيئاً من المحبوبات فقلبه مريض، كما أن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث وآثرته على الطيب سقطت عنها شهوة الطيب، وتعوّضت بمحبة غيره. وقد يمرض القلب ويشتد مرضه، ولا يعرف به صاحبه، لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك انه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة؛ فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه، وتألم بجهله بالحق بحسب حياته..

إلى أن قال رحمه اللَّه: والمقصود: أن من علامات أمراض القلوب عدولها عن الأغذية النافعة الموافقة لها إلى الأغذية الضارة، وعدولها عن دوائها، النافع إلى دائها الضار، فهنا أربعة أمور: غذاء نافع، ودواء شاف، وغذاء ضار، ودواء مهلك.

فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي، والقلب المريض بضد ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015