تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ((?) . يعني أن من أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب، واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقيناً صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيراً منه، روى ابن كثير عن ابن عباس أنه قال، في قوله تعالى: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (: يعني يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه (?) . يقول ابن دقيق العيد: ((هذا هو الإيمان بالقدر، والإيمان به واجب، خيره وشره، وإذا تيقن المؤمن هذا، فما فائدة سؤال غير الله والاستعانة به)) (?) . ومما يجب أن يعلم أن القدر السابق لا يمنع العمل، ولا يوجب الاتكال عليه، بل يوجب الجد والاجتهاد، والحرص على العمل الصالح وحسن الاتباع، ولهذا لما أخبر النبي (أصحابه بسبق المقادير وجريانها وجفوف القلم بها، قال بعضهم: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال ((اعملوا فكل ميسر) (?) ، ثم قرأ: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (?) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (?) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ((?) . ((فالله (قدر المقادير وهيأ لها أسباباً، وهو الحكيم بما نصبه من الأسباب في المعاش والمعاد، وقد يسر كلاً من خلقه لما خلقه له في الدنيا والآخرة، فهو مهيأ له ميسر له؛ فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها كان أشد اجتهاداً في فعلها والقيام بها، وأعظم منه في أسباب معاشه ومصالح دنياه، وقد فقه هذا كل الفقه من قال من الصحابة لما سمع أحاديث القدر: ما كنت أشد اجتهاداً مني الآن)) (?)