من أن الإمام الطحاوي -رحمه الله -وضع احتمال ثبوت الحديث وسلامة سنده من علة الإرسال، فأورد عدة احتمالات في فهم الحديث بحيث تبعده عن مجال الاحتجاج به لقول الجمهور، وذلك إذ يقول: لو ثبت عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) لم يكن فيه حجة لما قال الذين احتجوا به لقولهم في هذا الباب، لأنه قد يحتمل معاني: فيحتمل ما قال هذا المخالف لنا أن ذلك الولي هو أقرب العَصَبة إلى المرأة، ويحتمل أن يكون ذلك الولي من توليه المرأة من الرجال قريبا كان منها أو بعيدا، …ويحتمل أن يكون الولي هو الذي إليه ولاية البضع من والد الصغيرة أو مولى الأمة أو بالغةً حرة لنفسها، فيكون ذلك على أنه ليس لأحد أن يعقد نكاحا على بضع إلا ولي ذلك البضع، وهذا جائز في اللغة، قال الله تعالى: (فليملل وليه بالعدل ( [البقرة 282] ، فقال قوم: ولي الحق هو الذي له الحق (?) .
فكأن الإمام الطحاوي -رحمه الله - يقول لنا: ما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال. فالجواب: أن ليس كل ما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال، لأنه لو أُخذ بهذا القول على إطلاقه لما كاد يسلم استدلال لمستدل، إذ أين الدليل الذي لايتطرق إليه احتمال قوي ولاضعيف ولا واهن؟!! فلا بد من التفريق بين الاحتمال القوي والاحتمال الضعيف والواهن، والذي يفصل في تمييز الاحتمالات وترتيبها هو القرائن.
ولاشك أن من أقوى القرائن المعينة على فهم معنى الحديث تبادر المعنى إلى الأذهان، وخاصة أذهان الصحابة والتابعين.