واستوقفت فرويد سيكلوجية التلقي فرأى أن الفنان يقدم لمتلقيه بفنه رشوة، ينال من خلالها المتعة التي تغريه بالاندفاع نحو متعة أعمق حين يصبح حالماً مع الفنان ( [107] ) .
والمبدع الحقيقي عند فرويد هو الذي يخلع على أحلامه الخاصة طابع الفن، ولا يكون ذلك إلا بطمس النزوع الذاتي، وإضفاء صفة الإنسانية من خلال التعالي على البواعث الخاصة للأحلام ( [108] ) .
ويشعر المتلقي بلذة الإبداع حينما يشاهد نوازعه التي عجز عن تحقيقها تتحقق أمام عينيه، فيكون الفن بمثابة العزاء الذي ينتزعه من إحساسه بالحرمان من الوصول إلى غاياته التي يطمح إليها ( [109] ) .
ويكاد ينحصر جهد “ فرويد ” في التحليل النفسي للإبداع من خلال ثلاثة أعمال هي:
1 - أعمال الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي.
2 - رواية الإخوة كرامازوف للروائي الروسي دستوفيسكي.
3 - قصة غراديفا لفلهم ينسن. قاص ألماني مجهول.
1 - الدراسة الأولى سماها ((ليوناردو دافنشي دراسة نفسية جنسية لذكريات طفولية)) ( [110] ) . وفيها قام بتحليل شخصية دافنشي تحليلاً نفسياً متكئاً على ملاحظة وجدها في إحدى أوراق الرسام العظيم وهي رؤيا طفولية ((فقد روى أنه يذكر عندما كان في المهد أنه رأى نسراً ينزل عليه ويفتح له فمه ويضربه بذيله على شفتيه عدة مرات)) ( [111] ) ، وفي ضوء هذه الرؤيا فسر “ فرويد ” ذلك البطء الذي اشتهر به “ دافنشي ” وهو ينجز أعماله العظيمة، وتنقلاته الكثيرة وغموض ابتسامة “ الجوكندا ” ( [112] ) ، فكان عند دافنشي فيما يرى “ فرويد ” ((انحراف جنسي على مستوى اللاوعي تأثرت به حياته، وتأثر به فنه)) ( [113] ) .