وعلى هذا فغريزة الجنس هي عاصمة الغرائز، ينشأ الإنسان حاملاً في أعماقه هذه البذرة التي تصبح المحرك الرئيس لطاقاته في الحياة، ويغدو همه الوحيد في حياته هو إفراغ هذه الطاقة، إلا أن ذلك لا يتحقق على الوجه الأكمل حفاظاً على قيم المجتمع، وخوفاً من تعاليم السلطة، وهنا يأتي الحلم الذي تتحقق فيه الرغبة حين يخلد الأنا الأعلى في سباته العميق.
((وقد يكون الحلم صريحاً وواضحاً وربما لا يكون. وإذ ذاك تصبح لصور الحلم دلالة رمزية، فالصور التي تظهر في الحلم رموز الحقائق في اللاشعور: فالطائر ليس طائراً حقيقة بل رمزاً لشيء آخر قد يكون أما أو أباً، والطيران شبق جنسي، والسير إلى الشمال رغبة في الزنا بالمحارم)) ( [98] ) .
ومن هذا المنظور ذهب فرويد إلى تفسير الدين والأخلاق والفن فليست هذه الأشياء إلا تعويضاً عن الدوافع الغريزيّة لدى الإنسان فالدين ((يستقي أصوله من رغبتنا إلى الرعاية السماوية التي نتصورها في صورة الأب الحنون الذي يحل محل الأب الحقيقي لأن هذا لا يلبث أن يخيب آمالنا كلما شببنا عن الطوق، وبلغنا مبلغ الرجولة)) ( [99] ) والأخلاق ما هي ((إلا قواعد أوجدها الإنسان لتكون كالحاجز تصد غرائزه التي لو انطلقت من زمامها لجعلت النظام الاجتماعي أمراً مستحيلاً)) ( [100] ) أما الفن فقيمته ((إنما تنبثق من حاجة الإنسان إلى أن يبتدع أنواعاً من الوهم تقيه من النظر إلى الأشياء كما هي في حقيقتها مما لا يسهل على الإنسان أن يحتمله)) ( [101] ) .
وهذا هو ما يسميه “ فرويد ” بالتسامي، فالأنا بوصفها المسيطر على الحركات الإرادية تتقبل الدافع الغريزي وتتسامى به وذلك بأن تحيله من صورته التي هو عليها أو من وضعه إلى وضع آخر ذي قيمة، وهو ما عبر عنه بقوله: