فليس هناك بحث عن قيم الحق الخير والعدل، وليس هنا دلالة على إصلاح اجتماعي، أو نقد ومراجعة، ولهذا انطلاقاً من هذا المفهوم يمكن فهم ممارسات الغرب تجاه أبناء المجتمعات الأخرى، وتفسير ثقافة الرجل الأبيض التي يسعى لزرعها في عقول الناس بالقوة، وليست مفاهيم “ الانتشار الثقافي ” و “ اللحاق بالركب ” و “ تضييق الفجوة ” و “ الثورات الثقافية ” و “ الدور التحضيري لأوروبا ” ( [53] ) ، ونهاية التاريخ و “ صدام الحضارات ” إلاّ نتاجاً لمفهوم الثقافة في سياقها الغربي.
وفرضت المثاقفة النقدية غير الراشدة مفاهيم شديدة الخطورة على تراثنا وذوقنا الجمالي، ونظريتنا الأدبية، فالنص مثلاً في التراث العربي يعني الرفع والإسناد يقال: نصَّ الحديث ينصُّه نصاً رفعه، وكُلّ ما أظهِر فقد نُصّ، وقال عمرو بن دينار: ما رأيت رجلاً أنصَّ للحديث من الزُّهري: أي أرفع له وأسند ( [54] ) .
وفي تاج العروس: ((النصّ بمعنى الرفع والظهور. قلت: ومنه أخذ نص القرآن والحديث وهو: اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره..)) ( [55] ) ((فأين هذا من المدلول اليوناني حيث تحمل الكلمة معنى “ النسيج ” و “ التداخل ” وهو المعنى الذي مهد لظهور نظرية النصوصية، أو اشتباك النصوص ببعضها بشكل نسيجي)) ( [56] ) .
وجرتنا هذه المثاقفة إلى القول بأن الشاعر صانع أشكال، لا صانع أفكار، وأصبح هوس البحث عن الأشكال الجديدة سمة للإبداع والتفرد ابتداءً بقصيدة التفعيلة، ومروراً بالقصيدة الكلية، وانتهاءً بالقصيدة التوقيعة وقصيدة النثر، والشعر في العربية يعني العلم والفطنة، وإنما سمي الشاعر شاعراً لأنه يشعر بمالا يشعر به غيره.