وهذا “ التلفيق ” الذي يلغي الحمولات الفكرية، وينتزع المفاهيم من سياقاتها ليس أقل ضلالاً من “ الانغلاق الفجّ ” والتشيّع الأعمى للذات أو للآخر. وخطورة هذا التوجه لا تنحصر في تخطيه للأبعاد الفلسفية للمناهج النقدية، وإغفال المرجعية الفكرية للمفاهيم والمصطلحات وطرائق الإجراء فحسب. وإنما في كون التراث النقدي العربي يصبح مرهوناً في أصالته وقدرته على الانفتاح والتجدد بتعالقه مع المقولات النقدية الغربية الحديثة، فهي التي دائماً تمنحه البقاء، وتهبه شهادة استمرار الصلاحيّة.
يذهب الدكتور عبد العالي بو طيب إلى وجوب استحضار ثلاثة مباديء أساسية للتعامل المنهجي الذي يهدف إلى استثمار إيجابيات المناهج الغربية في نقد الأدب هي:
1 - ضرورة فهم المنهج في شموليته، فهناك جانبان في كل منهج “ جانب مرئي ” يتمثل في وجود أدوات إجرائية تساعد على إدراك الحقيقة وتقديم الدليل عليها، “ وجانب لا مرئي ” يتمثل في الخلفية النظرية المؤطرة للمنهج، والمحددة لغاياته والعلاقة بين هذين الجانبين علاقة جدلية كعلاقة العلة بالمعلول، والفهم العميق لا يتحقق إلا باستحضارهما معاً.
2 - قيمة المنهج في كفايته الإجرائية، فكل المناهج صالحة بالقوة مهما اختلفت خلفياتها الايدلوجيّة مالم يثبت الفحص عكس ذلك، فالإيمان بصلاحية المنهج أو عدم صلاحيته بدون فحص لكفايته “ تشيع أعمى ” منافٍ لأبسط قواعد البحث العلمي، والاختبار يتحقق من خلال التماسك النظري للمنهج والقدرة الإجرائية أو التطبيق.
3 - قضية المنهج والإشكال الحضاري العام: فانقسامنا إلى تيارين متضادين مظهر لهذا الإشكال، ظروف تاريخية تحتم الاقتباس، وخصوصية ثقافية تفرض شروطاً موضوعية تضبط الاقتباس وترسم حدوده ( [49] ) .