وليس موت المؤلف، واللعب الحُرّ بالدوال، وانتفاء القصدية، وغياب المركز الثابت، وتعدد القراءات سوى ثمرة من ثمار الشك في اليقينيات حتى أصبح النص - كما يصوره بارت - كصفحة السماء، ناعمة منبسطة وعميقة من دون حواف أو علامات، والقارئ كالعرّاف الذي يرسم عليها بطرف عصاه مربعاً وهميّاً يستطيع أن يستقريء منه حسب قواعد معينة، حركة طيران الطيور ( [42] ) .
ولهذا ليس للنص معنى، ولا وجود لقراءة خاطئة، فكل قراءة إساءة لقراءة سابقة.
إننا لا ننكر أن هذه معرفة لا يمكن تجاهلها، لكنها “ معرفة منحازة ” للغرب؛ لأنها نتاج تصورات خاصة، ولا ننكر أن النقد العربي الحديث حقق من خلالها كشوفاً مهمة في قراءة النص النقدي والإبداعي، لم تكن لتتحقق لولا وجود هذه المثاقفة، لكن هذا النجاح كان مصحوباً بإخفاق أكبر منه فقد وُضِعت النصوص في كثير من الممارسات على أجهزة التعذيب، وأجبرتها على الإفضاء باعترافات كاذبة وهذا ما أدركه شولز ( [43] ) قبل أن ندركه نحن، والأدهى من ذلك أنها شوّهت التشكيل الحضاري للأمة برمته ( [44] ) . وقد كشف الدكتور سعد البازعي عن أربع سمات للخطاب الحداثي في النقد العربي الحديث في مثاقفته مع الغرب هي:
1 - مناهضة الفكر المحافظ في الثقافة العربيّة من خلال توظيف خطاب ذي منزع ليبرالي أو تقدمي يساري.
2 - النظر إلى الغرب بوصفه مركز القيادة الثقافية للعالم فالتحرر والتقدم والمعرفة لا تتم إلا من خلال المثاقفة معه.
3 - عزل المفاهيم والمناهج المستعارة عن سياقها المنهجي والثقافي، إما جهلاً بها، أو تهميشاً لها.
4 - الاضطراب والخلط بين المفاهيم والمناهج والسياقات في التنظير والممارسة الإجرائية ( [45] ) .