كما أنه قد روعي في هذا التعريف أن يشتمل على ما يقوم به المحتسب للوالي والمتطوع وأنه (أي الاحتساب) عمل لا يسمى حسبة إلا إذا أتى من المسلم، ولو جاء من غيره فلا يسمى حسبة وإن وافق صورته، ولم يغفل فيه تلك الضوابط والقيود التي قررها الفقهاء من قبل، كقيود ظهور المنكر وترك المعروف ثم أشير في نهاية التعريف إلى أن هناك فرقاً بين احتساب كل من المكلف والمتطوع وبهذا كان هذا التعريف في نظري جامعاً مانعاً.
ثانياً: أهمية الحسبة:
إن قيام الحسبة في أي مجتمع كان هي بمثابة صِمَام أمان لذلك المجتمع، أو هي بمثابة جهاز صيانة دائمة في أوساط المجتمع، تحول بين أفراد ذلك المجتمع وبين الوقوع في مخالفة الشرع. فالحسبة بمفهومها الشمولي العام لا غنى عنها لأمة أو مجتمع يريد أن يطبق منهج الله في أرضه فبقيامها تحصل له الخيرية الواردة في قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر … الآية) (57) .
ولا أبالغ إذا قلت بأن نظام الحسبة الذي هو نظام إسلامي أصيل وهو الوجه العملي التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو لحُمة هذا الدين (الإسلام) ، بل الشريان الذي تسري من خلاله الأخوة الإسلامية، والمودة، والتراحم، والترابط الذي يجب أن يتم بين الأمة أفراداً وجماعات.
فكيف يمكن أن تتصور مجتمعاً ضاع فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتشرت فيه المنكرات؟ إنه مجتمع لا يمكن أن تنتظم الحياة فيه، ويأمن فيه المسلم على ضروراته الخمس؛ الدين، العرض، النفس، المال، العقل.
ولذلك نرى أن أمة من الأمم قد فضلها الله يوم أن كان هذا الأمر قائماً فيها، فلما اندثر فيها مقَتَها الله ولعنها (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) (58) .