كما سبق تقريره من قبل من أن القائد لا ينفك عن كونه قدوة فهو في الوقت نفسه مقتدياً ومقلداً ومتأسياً بسلفه من قادة الأمة الإسلامية وأولهم أسوة وقدوة كل قدوة محمد رسول الله وصحبه. إن القائد يحاكي سيرة المثل الكامل نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه الحق تبارك وتعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة …) (20) والذي قالت فيه زوجه عائشة وهي تصف خلقه عليه الصلاة والسلام (كان خلقه القرآن) أي أنه صاغ نفسه في فعله وقوله على نحو مما جاء في القرآن فأصبح قرآناً يمشي على الأرض، إن القائد عليه أن يحاكي سيرته وفي الوقت نفسه يدرس كل جوانب شخصيته عليه الصلاة والسلام يدرس سلوكه، عبادته، حلمه، تواضعه، زهده، جوده، كرمه، رحمته، شجاعته، قوته، حسن سياسته، تدبيره، ثباته على المبدأ. ويعلم القائد وهو يفعل كل ذلك أن هذا منه موافق لما كان يقوم به الصحابة في شأن التأسي برسول الله، فلقد كانوا يُدَرِسُون سيرته ويحاكون كل ما عرفوه عنه قليه وكثيره بل كانوا يغرسون ذلك في نفوس أبنائهم يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقد عاش زمناً بعد رسول الله (كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن) (21) . والقائد معني بدراسة تلك المغازي قبل أي أمر آخر، وبعدها ينظر في سيرته الأخرى عليه الصلاة والسلام فإنه المعلم الذي ينزل عليه الوحي برسالة الإسلام ليبلغها للناس جميعاً، وهو صاحب المدرسة التي تخرج منها قادة أمم وعباقرة حروب ورجال إصلاح وعلماء وفلاسفة ورواد حضارة، ولم يكن هذا الإنجاز الرائع أمراً يسيراً وهيناً فيكفي أن نقارن بين حال العرب قبل الإسلام وحالهم بعده حتى ندرك السر في هذا التحول الكبير فلقد حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانة وبلغ الرسالة وجاهد في الله حق جهاده فكانت مدرسته خير مدرسة وجدت بين البشر وجمعت قلوبهم على الحق وقادتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015