إن الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا المثال المحسوس أراد أن يبين تلك الآثار التي يمكن أن يتركها الجليس الصالح - والذي يمثل القدوة الحسنة – فيمن يجالسه فالمسلم إذا اختار جليسه الصالح ثم اقتدى به يكون قد ضمن لنفسه الاقتداء بقدوة صالحة ولو أردنا أن نقف على بعض الآثار التي يتركها الجليس الصالح فيمن يجالسه لوجدنا أنه يأمر جليسه بالخير والمعروف وينهاه عن الشر ويسمعه القول الصادق والعلم النافع ثم هو يعرفك عيوب نفسك ويشغلك عن ما لا يعنيك وهو دائماً يدلك على الخير ويرغبك فيه ويحذرك من الشر وما يزال معك على هذا الحال حتى يكون فعلاً كبائع المسك الذي لا يمكن أن ينالك منه إلا ما كان طيباً.
وهكذا يكون كل قدوة في الخير لا يصدر عنه إلا ما كان خيراً يفيض على عقول الناس كما تفوح رائحة المسك من بسطة بائعه.
وقد ينحرف الإنسان في سلوكه ويدبر أموراً مضره ويحفر حفراً للشر يريد بها غيره. فيصير عندئذ قدوة سيئة يحتذي حذوه كل من فسدت طويته، وساء خلقه، وفي هذا نرى أرباب الشر في كل مكان يتزعمهم أقواهم تدبيراً ويسمى هذا النوع بالقدوة السيئة، وبالطبع فإن القدوة السيئة هو على نقيض ما هو عليه القدوة الصالحة الذي يتأسى بشمائل الرسول صلى الله عليه وسلم والقدوة السيئة يتمثل أخلاق الشياطين من الجن والإنس، والقائد لاشك يدرك أنه قدوة شاء ذلك أم أباه، فإذا كان الأمر كذلك فلا بديل أبداً في أن يختار النوع الأول وهو أن يكون قدوة صالحة، وبذلك يضمن أن لا يصدر عنه في تصرفاته وأخلاقه إلا ما يخدم مصلحته ومصلحة مرؤسيه.
ومن هذا نخلص إلى القول بأن أنواع القدوة لا تخرج عن نوعين قدوة صالحة وقدوة سيئة.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي (17) (الأسوة نوعان أسوة حسنة وأسوة سيئة فالأسوة الحسنة هي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن نهج نهجه، وأما الأسوة بغيره إذا خالف (أي خالف الرسول) فهو الأسوة السيئة.