فأمر به هشام فقطعت يداه ورجلاه فمات.
وهناك مناظرتان جاء ذكرهما في شرح العقيدة الطحاوية (45) . جاء في الأولى عن عمر بن الهيثم (46) . قال: خرجنا في سفينة وصحبنا فيها قدريّ ومجوسيّ، فقال القدريّ للمجوسيّ: أسلم، قال المجوسي: حتى يريد الله. فقال القدريّ: إن الله يريد، ولكن الشيطان لا يريد، قال المجوسي: أراد الله وأراد الشيطان، فكان ما أراد الشيطان! هذا شيطان قويّ، وفي رواية أنه قال: فأنا مع أقواهما.
أما الثانية فجاء فيها: أن أعرابياً وقف على حلقة فيها عمرو بن عبيد (47) من شيوخ المعتزلة فقال: يا هؤلاء إن ناقتي قد سرقت، فادعوا الله أن يردّها عليّ، فقال عمرو بن عبيد: اللهم إنك لم ترد أن تُسرق ناقته فسرقت، فارددها عليه، فقال الأعرابي: لا حاجة لي في دعائك، قال: ولمَ؟ قال: أخاف كما أراد أن لا تسرق فسرقت أن يريد ردّها فلا تردّ.
ويروى في هذا المقام أن علياً - رضي الله عنه - مرّ بقدريّ، وهو يتكلم في القدر، فقال له: (أبا الله تقدر، أم مع الله أم دون الله؟) . فسكت الرجل ولم يعلم بماذا يجيب. فقال له t: (إن قلت دون الله كفرت، وإن قلت مع الله أشركت، وإن قلت بالله أصبت فقال الرجل: بالله أقدر، فقال له: لو قلت غيرها ضربت عنقك (48) .
فبهذا القول تتم البراءة من القدرية والجبرية كذلك، لأن الجبري لا يقول أقدر بالله ولا بغيره فيؤديه مذهبه إلى تعطيل الاكتساب والعبادات، ومذهب أهل الحق التوسط، يشتمل على التوحيد في الأفعال والأدب مع الفعّال (49) .
ويروى كذلك في هذا الشأن عن عليّ - رضي الله عنه - أن قائلاً قال له عند انصرافه من صفين: أرأيت مسيرنا إلى صفين أبقضاء وقدر؟
فقال علي - رضي الله عنه -: والله ما علونا جبلا ولا هبطنا واديا ولا خطونا خطوة إلا بقضاء وقدر.
فقال الشيخ: عند الله احتسب عنائي إذن مالي أجر.