ثم يواصل تكرار أنت بشكل رأسي معمق، يحفر بشدة ليكشف عن يأس الشاعر وقنوطه (أنت أوقفتني على لجة الحزن، أنت أنشأتني غريباً بنفسي، أنت كرهتني الحياة، أنت جبّلت بين جنبي قلباً، أنت عذبتني بدقة حسي… فكرر الضمير (أنت) بقوة حيث جعله النقطة المركزية التي تدور حولها الأبيات الأخرى وحتى يعطيه أكثر قوة وسلطة تكشف عن تحديه وتمرده فقد ربط هذا الضمير بأفعال تنبيء عن حس الشاعر الحزين وثورة انفعالاته وتمرده على الوجود (أنزلتني، أوصلتني، عذبتني، كرّهتني) فهي افعال تدور في دائرة القسرية والإلزام الذي ظهر عبر حركة التضعيف الظاهرة عليها، وكأن الضمير (أنت) حال فيها متوحد معها متكرر مرة أخرى، فيخلق بذلك تراكيب وأبنية إيقاعية ذات صدى وفعالية فتصبح الجملة ذات بعد أوسع وأقدر على استيعاب هذه الثورة وهذه النفس الثائرة فبدأت من (أنزلتني لحظة الولادة) إلى لحظة التكوين والتشكيل للذات عبر السياقات اللغوية الأخرى التي تتوحد في تراتب علاماتي وصوتي فعّال، وانطلاقاً من هذا الفهم فإن عملية الالتفات إلى الجانب النفسي في أسلوب التكرار عملية مهمة، فلو اختلف الموقف الشعري لاختلف الأسلوب "فالشاعر قد يستعمل كل حيل اللغة من البساطة الكاملة إلى البلاغة المعقدة فيذكي حرارة العاطفة من خلال الإيجاز آناً ومن خلال الإطناب آناً آخر وطوراً عن طريق التفضيلات وطوراً عن طريق التكرار (1) .
أما الضمير (نحن) الذي شكل منه تكرار بداية في قصيدته (ألحاني السكرى) يقول:
نحن نحيا كالطير في الأفق الساجي
نحن نلهو تحت الظلال كطفلين
وكالنحل فوق غصن الدهور
سعيدين في غرور الطفولة